يعمر أهل الأرض البيت العتيق بالحج في كل عام والاعتمار في كل وقت والطواف والصلاة في كل آن * قال سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في أوائل كتابه المغازي * حدثنا أبو عبيد في حديث مجاهد " أن الحرم حرم مناه (يعني قدره) من السماوات السبع والأرضين السبع وأنه رابع أربعة عشر بيتا في كل سماء بيت وفي كل أرض بيت لو سقطت سقط بعضها على بعض " ثم روى مجاهد قال مناه أي مقابله وهو حرف مقصور. ثم قال حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سليمان مؤذن الحجاج سمعت عبد الله بن عمرو يقول " إن الحرم محرم في السماوات السبع مقداره من الأرض - وإن بيت المقدس مقدس في السماوات السبع مقداره من الأرض كما قال بعض الشعراء.
إن الذي سمك السماء بنى لها * بيتا دعائمه أشد وأطول واسم البيت الذي في السماء بيت العزة * واسم الملك الذي هو مقدم الملائكة فيها إسماعيل * فعلى هذا يكون السبعون ألفا من الملائكة الذين يدخلون في كل يوم إلى البيت المعمور ثم لا يعودون إليه. آخر ما عليهم (أي لا يحصل لهم نوبة فيه إلى آخر الدهر) يكونون من سكان السماء السابعة وحدها. ولهذا قال تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو) (1) وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق (2) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد لو علمتم ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل " (3) فقال أبو ذر (والله لوددت أني شجرة تعضد) ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث إسرائيل فقال الترمذي حسن غريب ويروى عن أبي ذر موقوفا * وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا حسين بن عرفة المصري حدثنا عروة بن عمران الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما في السماوات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لا نشرك بك شيئا ". فدل هذان الحديثان على أنه ما من موضع في السماوات السبع إلا وهو مشغول بالملائكة وهم في صنوف من العبادة. منهم من هو قائم أبدا. ومنهم من هو راكع أبدا ومنهم من هو ساجد أبدا ومنهم من هو في صنوف أخر والله أعلم بها. وهم دائمون في عبادتهم وتسبيحهم وأذكارهم وأعمالهم التي أمرهم الله بها، ولهم منازل عند ربهم كما قال تعالى (وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن