ويحمل أبويه عن الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو عل بقاء مهجته، صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته، دل ذلك على نبوته وانه مؤيد من الله بعصمته. وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه. وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا.
الرابع: أنه لما فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى، ووضح له عن حقيقة أمره وجلى، قال بعد ذلك كله (رحمة من ربك وما فعلته من أمري) [الكهف: 82] يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل [أمر] (1) بل أمرت به وأوحى إلي فيه. فدلت هذه الوجوه على نبوته. ولا ينافي ذلك حصول ولايته، بل ولا رسالته كما قاله آخرون، وأما كونه ملكا من الملائكة [فقول] (2) غريب جدا، وإذا ثبتت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته وإن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر، مستند يستندون إليه، ولا معتمد يعتمدون عليه.
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم. قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة. وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيى (3).
وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن وسنوردها [مع غيرها] (4) إن شاء الله تعالى وبه الثقة. وهذه وصيته لموسى حين (قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئكم بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) [الكهف: 78] روي في ذلك آثار منقطعة كثيرة. قال البيهقي: أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمرو، وحدثنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، حدثني أبو عبد الله الملطي قال: لما أراد موسى أن يفارق الخضر، قال له موسى:
أوصني قال: كن نفاعا ولا تكن ضرارا. كن بشاشا ولا تكن غضبان. ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة. وفي رواية من طريق أخرى زيادة: (ولا تضحك إلا من عجب). وقال وهب بن منبه: قال الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها، وقال بشر بن الحارث الحافي: قال موسى للخضر: أوصني، فقال: يسر الله عليك طاعته، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى الوقاد إلا أنه من الكذابين الكبار. قال قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع قال الثوري: قال مجالد: قال أبو الوداك:
قال أبو سعيد الخدري، قال عمر بن الخطاب، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال أخي موسى يا