الزاهرات والأجرام النيرات، وما في ذلك من الدلالات على حكمة خالق الأرض والسماوات كما قال تعالى * (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * [يوسف: 105] فأما قوله تعالى (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم) [النازعات: 28] فقد تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الأرض. فخالفوا صريح الآيتين المتقدمين ولم يفهموا هذه الآية الكريمة فان مقتضى هذه الآية أن دحي الأرض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء. وقد كان ذلك مقدرا فيها بالقوة كما قال تعالى (وبارك فيها وقدر فيها أقواتها) [فصلت: 10] أي هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي دحى الأرض أخرج منها ما كان مودعا فيها فخرجت العيون وجرت الأنهار، ونبت الزرع والثمار ولهذا فسر الدحي بإخراج الماء والمرعى منها وإرسال الجبال فقال (والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها) وقوله (والجبال أرساها) [المرسلات: 30 - 32] أي قررها في أماكنها التي وضعها فيها وثبتها وأكدها وأطدها وقوله (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون، والأرض فرشناها فنعم الماهدون، ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات: 37] بأيد أي بقوة. وأنا لموسعون، وذلك أن كل ما علا اتسع فكل سماء أعلى من التي تحتها فهي أوسع منها. ولهذا كان الكرسي أعلى من السماوات.
وهو أوسع منهن كلهن. والعرش أعظم من ذلك كله بكثير. وقوله بعد هذا (والأرض فرشناها) أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم. ولهذا قال (فنعم الماهدون) والواو لا تقتضي الترتيب في الوقوع. وإنما يقتضي الاخبار المطلق في اللغة والله أعلم * وقال البخاري حدثنا عمر بن جعفر بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين قال " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم " قالوا قد بشرتنا فاعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من اليمن فقال " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم " قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الامر. قال " كان الله ولم يكن شئ غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شئ وخلق السماوات والأرض " فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي تقطع دونها السراب فوالله لوددت اني كنت تركتها " هكذا رواه هاهنا وقد رواه في كتاب المغازي وكتاب التوحيد وفى بعض ألفاظه (ثم خلق السماوات والأرض) وهو لفظ النسائي أيضا. وقال الإمام أحمد بن حنبل (1) حدثنا حجاج حدثني ابن جريج أخبرني إسماعيل بن