أن هذا الشاعر الأحصي دخل على سيف الدولة، فأنشده قصيدة له فيه، فاعتذر سيف الدولة بضيق اليد يومئذ، وقال له: أعذر فما يتأخر عنا حمل المال الينا، فإذا بلغك ذلك فأتنا لنضاعف جائزتك، ونحسن إليك. فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال وتطعم لحومها، فعاد إلى سيف الدولة فأنشده هذه الأبيات:
رأيت بباب داركم كلابا، تغذيها وتطعمها السخالا فما في الأرض أدبر من أديب، يكون الكلب أحسن منه حالا ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال، فضاع منها بغل بما عليه، وهو عشرة آلاف دينار، وجاء هذا البغل حتى وقف على باب الناشي الشاعر بالأحص، فسمع حسه، فظنه لصا، فخرج إليه بالسلاح، فوجده بغلا موقرا بالمال، فأخذ ما عليه من المال وأطلقه. ثم دخل حلب ودخل على سيف الدولة وأنشده قصيدة له يقول فيها:
ومن ظن أن الرزق يأتي بحيلة، فقد كذبته نفسه، وهو آثم يفوت الغنى من لا ينام عن السرى، وآخر يأتي رزقه وهو نائم فقال له سيف. الدولة: بحياتي! وصل إليك المال الذي كان على البغل؟ فقال: نعم. فقال: خذه بجائزتك مباركا لك فيه. فقيل لسيف الدولة: كيف عرفت ذلك؟ قال عرفته من قوله:
وآخر يأتي رزقه وهو نائم بعد قوله:
يكون الكلب أحسن منه حالا الأحفار: جمع حفر.، والحفر في الأصل، اسم المكان الذي حفر، نحو الخندق، والبئر إذا وسعت فوق قدرها، سميت حفيرا وحفرا وحفيرة. والأحفار:
علم لموضع من بادية العرب، قال حاجب بن ذبيان المازني:
هل رام نهي حمامتين مكانه، أم هل تغير بعدنا الأحفار؟
يا ليت شعري غير منية باطل، والدهر فيه عواطف أطوار هل ترسمن بي المطية بعدها يحدي القطين، وترفع الأخدار الأحقاف: جم حقف من الرمل. والعرب تسمي الرمل المعوج حقافا وأحقافا، واحقوقف الهلال والرمل إذا اعوج، فهذا هو الظاهر في لغتهم، وقد تعسف غيره. والأحقاف المذكور في الكتاب العزيز: واد بين عمان وأرض مهرة، عن ابن عباس، قال ابن إسحاق: الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضر موت، وقال قتادة: الأحقاف رمال مشرفة على البحر بالشحر من أرض اليمن، وهذه ثلاثة أقوال غير مختلفة في المعنى. وقال الضحاك:
الأحقاف جبل بالشام. وفي كتاب العين: الأحقاف جبل محيط بالدنيا، من زبر جدة خضراء تلهب يوم القيامة، فيحشر الناس عليه من كل أفق، وهذا وصف جبل قاف. والصحيح ما رويناه عن ابن عباس وابن إسحاق وقتادة: أنها رمال بأرض اليمن، كانت عاد تنزلها، ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو المنذر