وقال لجساس: أغثني بشربة، تفضل بها، طولا علي، وأنعم فقال: تجاوزت الأحص وماءة، وبطن شبيث، وهو ذو مترسم فهذا كما تراه، ليس في الشعر والخبر ما يدل على أنها بالشام. وأما الأحص وشبيث بنواحي حلب، وقد تحقق أمرهما، فلا ريب فيهما، أما الأحص فكورة كبيرة مشهورة، ذات قرى ومزارع، بين القبلة وبين الشمال من مدينة حلب، قصبتها خناصرة، مدينة كان ينزلها عمر بن عبد العزيز، وهي صغيرة، وقد خرجت الآن إلا اليسير منها. وأما شبيث، فجبل في هذه الكورة أسود، في رأسه فضاء، فيه أربع قرى، وقد خربت جميعها. ومن هذا الجبل يقطع أهل حلب وجميع نواحيها حجارة رحيهم، وهي سود خشنة، وإياها عنى عدي بن الرقاع بقوله:
وإذا الربيع تتابعت أنواؤه، فسقى خناصرة الأحص وزادها فأضاف خناصرة إلى هذا الموضع، وإياها عنى جرير أيضا بقوله:
عادت همومي بالأحص وسادي، هيهات من بلد الأحص بلادي لي خمس عشرة من جمادى ليلة، ما أستطيع على الفراش رقادي ونعود سيدنا وسيد غيرنا، ليت التشكي كان بالعواد وأنشد الأصمعي، في كتاب جزيرة العرب، لرجل من طيئ، يقال له الخليل بن قردة، وكان له ابن واسمه زافر، وكان قد مات بالشام في مدينة دمشق، فقال:
ولا آب ركب من دمشق وأهله ولا حمص، إذ لم يأت، في الركب، زافر ولا من شبيث والأحص ومنتهى ال مطايا بقنسرين، أو بخناصر وإياه عنى ابن أبي حصينة المعري بقوله:
لج برق الأحص في لمعانه، فتذكرت من وراء رعانه فسقى الغيث حيث ينقطع الأوعس من رنده ومنبت بأنه أو ترى ال؟ مثل ما نشر البر د، حوالي هضابه وقنانه تجلب الريح منه أذكي من المسك، إذا مرت الصبا بمكانه وهذا، كما تراه، ليس فيه ما يدل على أنه إلا بالشام. فإن كان قد اتفق ترادف هذين الاسمين بمكانين بالشام، ومكانين بنجد، من غير قصد، فهو عجب. وإن كان جرى الامر فيهما، كما جرى لأهل نجران ودومة، في بعض الروايات، حيث أخرج عمر أهلها منهما، فقدموا العراق، وبنوا لهم بها أبنية، وسموها باسم ما أخرجوا منه، فجائز أن تكون ربيعة فارقت منازلها، وقدمت الشام، فأقاموا بها، وسموا هذه بتلك، والله أعلم. وينسب إلى أحص حلب، شاعر يعرف بالناشي الأحصي، كان في أيام سيف الدولة أبي الحسن علي بن حمدان، له خبر ظريف، أنا مورده ههنا، وإن لم أكن على ثقة منه، وهو