وقالوا: إن هؤلاء ملائكة لا يعمل فيهم السلاح، فاتفق أن تركيا اختفى في غيضة ورشق مسلما بسهم فقتله، فنادى في قومه: إن هؤلاء يموتون كما تموتون فلم تخافونهم؟ فاجترأوا عليهم وأوقعوهم حتى استشهد عبد الرحمن بن ربيعة، وأخذ الراية أخوه ولم يزل يقاتل حتى أمكنه دفن أخيه بنواحي بلنجر، ورجع ببقية المسلمين على طريق جيلان، فقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي:
وإن لنا قبرين قبر بلنجر، وقبرا بصين أستان يا لك من قبر!
فهذا الذي بالصين عمت فتوحه، وهذا الذي يسقى به سبل القطر يريد أن الترك لما قتلوا عبد الرحمن بن ربيعة، وقيل سلمان بن ربيعة وأصحابه كانوا ينظرون في كل ليلة نورا على مصارعهم، فأخذوا سلمان بن ربيعة وجعلوه في تابوت، فهم يستسقون به إذا قحطوا. وأما الذي بالصين فهو قتيبة بن مسلم الباهلي، وقال البحتري يمدح إسحاق بن كنداجيق:
شرف تزيد بالعراق إلى الذي عهدوه في خمليخ أو ببلنجرا بلنز: بالزاي: ناحية من سر نديب في بحر الهند، يجلب منها رماح خفيفة يرغب أهل تلك البلاد فيها ويغالون في أثمانها، والفساد مع ذلك يسرع إليها، قاله نصر.
بلنسية: السين مهملة مكسورة، وياء خفيفة: كورة ومدينة مشهورة بالأندلس متصلة بحوزة كورة تدمير، وهي شرقي تدمير وشرقي قرطبة، وهي برية بحرية ذات أشجار وأنهار، وتعرف بمدينة التراب، وتتصل بها مدن تعد في جملتها، والغالب على شجرها القراسيا، ولا يخلو منه سهل ولا جبل، وينبت بكورها الزعفران، وبينها وبين تدمير أربعة أيام ومنها إلى طرطوشة أيضا أربعة أيام، وكان الروم قد ملكوها سنة 487، واستردها الملثمون الذين كانوا ملوكا بالغرب قبل عبد المؤمن سنة 95، وأهلها خير أهل الأندلس يسمون عرب الأندلس، بينها وبين البحر فرسخ، وقال الأديب أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني الأندلسي:
إن كان واديك نيلا لا يجاز به، فما لنا قد حرمنا النيل والنيلا؟
إن كان ذنبي خروجي من بلنسية، فما كفرت ولا بدلت تبديلا دع المقادير تجري في أعنتها، ليقضي الله أمرا كان مفعولا وقال أبو عبد الله محمد الرصافي:
خليلي ما للبلد قد عبقت نشرا، وما لرؤوس الركب قد رجحت سكرا؟
هل المسك مفتوقا بمدرجة الصبا، أم القوم أجروا من بلنسية ذكرا؟
بلادي التي راشت قويدمتي بها فريخا، وآوتني قرارتها وكرا أعيذكم! أنى ننيب لبيتكم، وكل يد منا على كبد حرى؟
نؤمل لقياكم، وكيف مطارنا بأجنحة لا نستطيع لها نشرا؟
فلو آب ريعان الصبا ولقاؤكم، إذا قضت الأيام حاجتنا الكبرى