كوكبها يقظان، وجوها عريان، وحصباؤها جوهر، ونسيمها معطر، وترابها أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وطعامها هنئ، وشرابها مرئ، لا كبلدتكم الوسخة السماء، الومدة الماء والهواء، جوها غبار، وأرضها خبار، وماؤها طين، وترابها سرجين، وحيطانها نزوز، وتشرينها تموز، فكم من شمسها من محترق، وفي ظلها من عرق، صيقة الديار، وسيئة الجوار، أهلها ذئاب، وكلامهم سباب، وسائلهم محروم، ومالهم مكتوم، ولا يجوز إنفاقه، ولا يحل خناقه، حشوشهم مسايل، وطرقهم مزابل، وحيطانهم أخصاص، وبيوتهم أقفاص، ولكل مكروه أجل، وللبقاع دول، والدهر يسير بالمقيم، ويمزج البؤس بالنعيم، وله من قصيدة:
كيف نومي وقد حللت ببغداد، مقيما في أرضها، لا أريم ببلاد فيها الركايا، عليهن أكاليل من بعوض تحوم جوها في الشتاء والصيف دخان كثيف، وماؤها محموم ويح دار الملك التي تنفح المسك، إذا ما جرى عليه النسيم كيف قد أقفرت وحاربها الدهر، وعين الحياة فيها البوم نحن كنا سكانها، فانقضى ذا لك عنا، وأي شئ يدوم وقال أيضا:
أطال الهم في بغداد ليلي، وقد يشقى المسافر أو يفوز ظللت بها، على رغمي، مقيما كعنين تعانقه عجوز وقال محمد بن أحمد بن شميعة البغدادي شاعر عصري فيها:
ود أهل الزوراء زور، فلا تغترر بالوداد من ساكنيها هي دار السلام حسب، فلا يطمع منها، إلا بما قيل فيها وكان المعتصم قد سأل أبا العيناء عن بغداد وكان سئ الرأي فيها، فقال: هي يا أمير المؤمنين كما قال عمارة بن عقيل:
ما أنت يا بغداد إلا سلح، إذا اعتراك مطر أو نفح، وإن جففت فتراب برح وكما قال آخر:
هل الله من بغداد، يا صاح، مخرجي، فأصبح لا تبدو لعيني قصورها وميدانها المذري علينا ترابها إذا شحجت أبغالها وحميرها وقال آخر:
أذم بغداد والمقام بها، من بعدما خبرة وتجريب ما عند سكانها لمختبط خير، ولا فرجة لمكروب يحتاج باغي المقام بينهم إلى ثلاث من بعد تثريب:
كنوز قارون أن تكون له، وعمر نوح وصبر أيوب