على أهل بغداد السلام، فإنني أزيد بسيري عن ديارهم بعدا وقال ابن مجاهد المقري: رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دعني مما فعل الله بي، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نقل من جنة إلى جنة، وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي، رضي الله عنه: أيا يونس دخلت بغداد؟ فقلت: لا، فقال: أيا يونس ما رأيت الدنيا ولا الناس، وقال طاهر بن المظفر بن طاهر الخازن:
سقى الله صوب الغاديات محلة ببغداد، بين الخلد والكرخ والجسر هي البلدة الحسناء، خصت لأهلها بأشياء لم يجمعن مذ كن في مصر هواء رقيق في اعتدال وصحة، وماء له طعم ألذ من الخمر ودجلتها شطان قد نظما لنا بتاج إلى تاج، وقصر إلى قصر ثراها كمسك، والمياه كفضة، وحصباؤها مثل اليواقيت والدار قال أبو بكر الخطيب: أنشدني أبو محمد الباقي قول الشاعر:
دخلنا كارهين لها، فلما ألفناها خرجنا مكر هينا فقال يوشك هذا أن يكون في بغداد، قيل وأنشد لنفسه في المعنى وضمنه البيت:
على بغداد معدن كل طيب، ومغنى نزهة المتنزهينا:
سلام كلما جرحت بلحظ عيون المشتهين المشتهينا دخلنا كارهين لها، فلما ألفناها خرجنا مكرهينا وما حب الديار بنا، ولكن أمر العيش فرقة من هوينا قال محمد بن علي بن حبيب الماوردي: كتب إلي أخي من البصرة وأنا ببغداد:
طيب الهواء ببغداد يشوقني قدما إليها، وإن عاقت معاذير وكيف صبري عنها، بعدما جمعت طيب الهواءين ممدود ومقصور؟
وقلد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر اليمن، فلما أراد الخروج قال:
أيرحل آلف ويقيم إلف، وتحيا لوعة ويموت قصف؟
على بغداد دار اللهو مني سلام ما سجا للعين طرف وما فارقتها لقلى، ولكن تناولني من الحدثان صرف ألا روح ألا فرج قريب، ألا جار من الحدثان كهف لعل زماننا سيعود يوما، فيرجع آلف ويسر إلف فبلغ الوزير هذا الشعر فأعفاه، وقال شاعر يتشوق بغداد:
ولما تجاوزت المدائن سائرا، وأيقنت يا بغداد أني على بعد