يقاضي المارستان من مشكلات المسائل في المسائل واستخراج الضمير ولا أقرأ عليه الجواب فكان يفتكر فيه قليلا ويجيبني بالجواب الذي كتبه القاضي بعينه، وكان يحفظ من الأناشيد والحكايات والاخبار وأيام الناس والتواريخ شيئا كثيرا، ولما توفى والدي سافر ألى الشام ودخل ديار مصر ورأى الناس وخالط الفضلاء وعاد إلى بغداد، وكان يجلس في دكان له بسوق الثلاثاء في خان الصفة يبيع فيه البز، مضى على ذلك أكثر عمره، وكان أمينا نزها عفيفا متورعا عن الشبهات متحريا في طلب الحلال، فاشتهر بذلك بين الناس.
فلما ولي أبي القاسم بن الدامغاني قضاء القضاة واتصلت له به معرفة، وعرف ما هو عليه من معرفة الفرائض ومعرفة قسم الأمتعة، وما اشتهر عنه من حسن الطريقة والعفة والنزاهة ألزمه بأن ينظر في أموال الأيتام، فأجاب إلى ذلك على أحسن طريقة وأجمل سيرة شكره عليها الخاص والعام، وظهر من ورعه وتقشفه، ونزاهته ما اشتهر به، فلما عزل ابن الدامغاني قبض على أخي وهلك وعند الله يجتمع الخصوم.
وكان رحمه الله كثير الصوم والصلاة والذكر وقراءة القرآن، وله أوراد بالليل والنهار لا يخل بها، وكان كثير الصدقة دائم المعروف محتاطا في اخراج الزكاة مسارعا إلى قضاء حوائج الناس محبا لأهل الخير.
علقت عنه كثيرا من الحكايات والأناشيد والتواريخ، وكان هو الذي رباني، فإن والدي رحمه الله توفي ولي سبع سنين، وكان يحملني معه إلى الجامع في أيام الجمعة وأيام العيدين ويعلمني كيف أقول، وحججت مع والدتي ولي تسع سنين، فكان أخي يأخذني علي عنقه ويريني المناسك ويطوف بي المشاهد، وكان يؤدبني ويثقفني وينبهني على معالي الأمور، جزاه الله عني خيرا فهو والدي وأخي، وكان رحمه الله قد جمع كتابا جليلا في الفرائض ذكر فيه كل فريضة تقع في الدنيا، وقسمها، وفقدته بعد موته، وذهب في جملة ما ذهب من ماله.
أنشدني أخي علي بن محمود الشهيد رحمه الله من لفظه وحفظه لبعضهم:
يزداد بخلا ولؤما كلما كثرت * أمواله فهو لا ترجى مواهبه كالبحر كل مياه الأرض قاطبة * تجرى إليه ويظمى فيه راكبه سألت أخي عن مولده فقال: في ليلة الجمعة لست خلون من المحرم سنة أربع