وكان صدوقا فاضلا دينا خيرا من أهل السنة، وصنف كتبا كثيرة في علوم القرآن، وغريب الحديث، والمشكل، والوقف، والابتداء، والرد على من خالف مصحف العامة.
روى عنه أبو عمر بن حيويه، وأبو الحسين بن البواب، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو الفضل بن المأمون، وأحمد بن محمد بن الجراح، ومحمد بن عبد الله بن أخي ميمي، وغيرهم. وبلغني أنه كتب عنه وأبوه حي، وكان يملي في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى.
وقال أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي: كان أبو بكر بن الأنباري يحفظ فيما ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن.
حدثني علي بن أبي علي البصري عن أبيه قال أخبرني غير واحد ممن شاهد أبا بكر محمد بن القاسم بن الأنباري يملي من حفظه لا من كتاب وإن عادته في كل ما كتب عنه من العلم كانت هكذا، ما أملى قط من دفتر.
سمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق يقول: كان أبو بكر بن الأنباري يملي كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار، والتفاسير والأشعار، كل ذلك من حفظه.
قال حمزة وحدثني أبي عن جدي أن أبا بكر بن الأنباري مرض، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فرأوا من انزعاج أبيه وقلقه عليه أمرا عظيما فطيبوا نفسه ورجوا [له] عافيه أبو بكر، فقال لهم: كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما ترون - وأشار لهم إلى حيري مملوء كتبا - قال حمزة: وكان مع حفظه زاهدا متواضعا، حكى أبو الحسن الدارقطني أنه حضره في مجلس أملاه يوم الجمعة فصحف اسما أورده في إسناد حديث، إما كان حبان، فقال حيان، أو حيان فقال حبان. قال أبو الحسن: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته، وهم وهبته أن أوقفه على ذلك، فلما انقضى الإملاء تقدمت إلى المستملي وذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه، وانصرفت، ثم حرضت الجمعة الثانية مجلسه فقال أبو بكر للمستملي: عرف جماعة الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية،