تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٧٩
أم «يقولون افتراه» إضراب وانتقال من حكاية شناعتهم السابقة إلى حكاية ما هو أشنع منها وما في أم من الهمزة للإنكار التوبيخي المتضمن للتعجيب أي بل أيقولون افترى القرآن «قل إن افتريته» على الفرض «فلا تملكون لي من الله شيئا» إذ لا ريب في أنه تعالى يعاجلنى حينئذ بالعقوبة فكيف أجترئ على أن افترى عليه تعالى كذبا فأعرض نفسي للعقوبة التي لا مناص عنها «هو أعلم بما تفيضون فيه» أي تندفعون فيه من القدح في وحى الله والطعن في آياته وتسميته سحرا تارة وفرية أخرى «كفى به شهيدا بيني وبينكم» حيث يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والجحود وهو وعيد بجزاء إفاضتهم وقوله تعالى «وهو الغفور الرحيم» وعد بالغفران والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله تعالى عنهم مع عظم جرائمهم «قل ما كنت بدعا من الرسل» البدع بمعنى البديع كالخل بمعنى الخليل وهو ما لا مثل له وقرئ بفتح الدال على أنه صفة كقيم وزيم أو جمع مقدر مضاف أي ذا بدع وقد جوز ذلك في القراءة الأولى أيضا على أنه مصدر كانوا يقترحون عليه الصلاة والسلام آيات عجيبة ويسألونه عن المغيبات عنادا ومكابرة فأمر عليه السلام بأن يقول لهم ما كنت بديعا من الرسل قادرا على ما لم يقدروا حتى آتيكم بكل ما تقترحونه وأخبركم بكل ما تسلون عنه من الغيوب فإن من قبلي من الرسل عليهم الصلاة والسلام والسلام ما كانوا يأتون إلا بما آتاهم الله تعالى من الآيات ولا يخبرونهم إلا بما أوحى إليهم «وما أدري ما يفعل بي ولا بكم» أي أي شئ يصيبنا فيما يستقبل من الزمان من أفعاله تعالى وماذا يقدر لنا من القضاياه وعن الحسن رضى الله عنه ما أدرى ما يصير إليه أمرى وأمركم في الدنيا وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة وقال هي منسوخة بقوله تعالى ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقيل يجوز أن يكون المنفى هي الدراية المفصلة والأظهر الأوفق لما ذكر من سبب النزول أن ما عبارة عما ليس علمه من وظائف النبوة من الحوادث والواقعات الدنيوية دون ما سيقع في الآخرة فإن العلم بذلك من وظائف النبوة وقد ورد به الوحي الناطق بتفاصيل ما يفعل بالجانبين هذا وقد روى عن الكلبي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له عليه السلام وقد ضجروا من أذية المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدرى ما يفعل بي ولا بكم أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض ذات نخيل وشجر قد رفعت لي ورأيتها يعنى في منامه وجوز أن تكون ما موصولة والاستفهامية أقضى لحق مقام التبرؤ عن الدراية وتكرير لا لتذكير النفي المنسحب إليه وتأكيده
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة