«فما أوتيتم من شيء» مما ترغبون وتتنافسون فيه «فمتاع الحياة الدنيا» أي فهو متاعها تتمتعون به مدة حياتكم «وما عند الله» من ثواب الآخرة «خير» ذاتا لخلوص نفعه «وأبقى» زمانا حيث لا يزول ولا يفنى «للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون» لا على غيره أصلا والموصول الأول لما كان متضمنا لمعنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا دخلت جوابها الفاء بخلاف الثاني وعن على رضي الله عنه أنه تصدق أبو بكر رضي الله عنه بماله فلامه جمع من المسلمين فنزلت وقوله تعالى «والذين يجتنبون كبائر الإثم» أي الكبائر من هذا الجنس «والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون» مع ما بعده عطف على الذين آمنوا أو مدح بالنصب أو الرفع وبناء يغفرون على الضمير خبرا له للدلالة على أنهم الأخصاء بالمغفرة حال الغضب لعزة منالها وقرئ كبير الإثم وعن ابن عباس رضي الله عنهما كبير الإثم الشرك «والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة» نزل في الأنصار دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان فاستجابوا له «وأمرهم» شورى بينهم أي ذو شورى لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليها وكانوا قبل الهجرة وبعدها إذا حزبهم أمر اجتمعوا وتشاوروا «ومما رزقناهم ينفقون» أي في سبيل الخير ولعل فصله عن قرينه بذكر المشاورة لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» أي ينتقمون ممن بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم كراهة التذلل وهو وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر مهمات الفضائل وهذا لا ينافي وصفهم بالغفران فإن كلا منهما فضيلة محمودة في موقع نفسه ورذيلة مذمومة في موقع صاحبه فإن الحلم عن العاجز وعوراء الكرام محمود وعن المتغلب ولغواء اللثام مذموم فإنه إغراء على البغى وعليه قول من قال * إذا أنت أكرمت الكريم ملكته * وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا * فوضع الندى في موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف في موضع الندى * وقوله تعالى «وجزاء سيئة سيئة مثلها» بيان لوجه كون الانتصار من الخصال الحميدة مع كونه في نفسه إساءة إلى الغير بالإشارة إلى أن البادىء هو الذي فعله لنفسه فإن الأفعال مستتبعة لأجزيتها حتما إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر وفيه تنبيه على حرمة التعدي وإطلاق السيئة على الثانية
(٣٤)