تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٢٣٣
هم «الفاسقون» الكاملون في الفسوق «لا يستوي أصحاب النار» الذين نسوا الله تعالى فاستحقوا الخلود في النار «وأصحاب الجنة» الذين اتقوا الله فاستحقوا الخلود في الجنة ولعل تقديم أصحاب النار في الذكر للإيذان من أول الأمر بأن المقصور الذي ينبئ عنه عدم الاستواء من جهتهم لا من جهة مقابليهم فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب نقصان الناقص وعليه قوله تعالى هل يستوى الأعمى والبصير أم هل يستوى الظلمات والنور إلى غير ذلك من المواقع وأما قوله تعالى هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون فلعل تقديم الفاضل فيه لأن صلته ملكة لصلة المفضول والأعدام مسبوقة بملكاتها ولا دلالة في الآية الكريمة على ان المسلم لا يقتص بالكافرون وان الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر لأن المراد عدم الاستواء في الأخروية كما ينبئ عنه التعبير عن الفريقين بصاحبية النار وصاحبتيه الجنة وكذا قوله تعالى «أصحاب الجنة هم الفائزون» فإنه استئناف مبين لكيفية عدم الاستواء بين الفريقين أي هم الفائزون بكل مطلوب الناجون عن كل مكروه «لو أنزلنا هذا القرآن» العظيم الشأن المنطوى على فنون القوارع «على جبل» من الجبال «لرأيته» مع كونه علما في القسوة وعدم التأثر مما يصادمه «خاشعا متصدعا من خشية الله» أي متشققا منها وقرئ مصدعا بالإدغام وهذا تمثيل وتخييل لعلو شان القرآن وقوة تأثير ما فيه من المواعظ كما ينطق به قوله تعالى «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون» أريد به توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وعدم تخشعه عند تلاوته وقلة تدبره فيه «هو الله الذي لا إله إلا هو» وحده «عالم الغيب والشهادة» أي ما غاب عن الحس من الجواهر القدسية وأحالها وما حضر له من الأجرام وأعراضها وتقديم الغيب على الشهادة لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به أو المعدوم والموجود أو السر والعلانية «هو الرحمن الرحيم» «هو الله الذي لا إله إلا هو» كرر لإبراز الاعتناء بأمر التوحيد «الملك القدوس» البليغ في النزاهة عما يوجب نقصانا وقرئ بالفتح وهي
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة