تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ٢١١
من عذابها الأليم وقد ذكر العذاب فقيل «وفي الآخرة عذاب شديد» لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل من أحوال الحياة الدنيا «ومغفرة» عظيمة «من الله ورضوان» عظيم لا يقادر قدره «وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» أي لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة إلى الآخرة عن سعيد بن جبير الدنيا متاع الغرور إن الهتك عن طلب الآخرة فاما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله تعالى فنعم المتاع ونعم الوسيلة «سابقوا» أي سارعوا مسارعة المسابقين لأقرانهم في المضمار «إلى مغفرة» عظيمة كائنة «من ربكم» أي إلى موجباتها من الأعمال الصالحة «وجنة عرضها كعرض السماء والأرض» أي كعرضهما جميعا وإذا كان عرضها كذلك فما ظنك بطولها وقيل المراد بالعرض البسطة وتقديم المغفرة على الجنة لتقدم التخلية على التحلية «أعدت للذين آمنوا بالله ورسله» فيه دليل على أن الجنة مخلوقة بالفعل وأن الإيمان وحده كاف في استحقاقها «ذلك» الذي وعد من المغفرة والجنة «فضل الله» عطاؤه «يؤتيه» تفضلا وإحسانا «من يشاء» إيتاءه إياه من غير إيجاب «والله ذو الفضل العظيم» ولذلك يؤتى من يشاء مثل ذلك الفضل الذي لا غاية وراءه «ما أصاب من مصيبة في الأرض» كجدب وعاهة في الزروع والثمار «ولا في أنفسكم» كمرض وآفة «إلا في كتاب» أي إلا مكتوبة مثبتة في علم الله تعالى أو في اللوح «من قبل أن نبرأها» اى نخلق الأنفس أو المصائب أو الأرض «إن ذلك» أي إثباتها في كتاب «على الله يسير» لاستغنائه فيه عن العدة والمدة «لكي لا تأسوا» أي أخبرناكم بذلك لئلا تحزنوا «على ما فاتكم» من نعم الدنيا «ولا تفرحوا بما آتاكم» أي أعطاكم الله تعالى منها فإن من علم أن الكل مقدر يفوت ما قدر فواته ويأتي ما قدر إتيانه لا محالة لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت وقرئ بما آتاكم من الاتيان وفي القراءة الأولى إشعار بأن فوات النعم يلحقها إذا خليت وطباعها وأما حصولها وبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها وقرئ بما أوتيتم والمراد به نفى الأسى المانع عن التسليم لأمر الله تعالى والفرح الموجب للبطر ولاختيال ولذلك عقب بقوله تعالى «والله لا يحب كل مختال فخور» فإن من فرح بالحظوظ الدنيوية وعظمت في نفسه اختال وافتخر بها لا محالة وفي تخصيص التذييل بالنهى عن الفرح المذكور إيذان بأنه أقبح من الأسى
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة