تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٨ - الصفحة ١٩٨
«فظلتم» بسبب ذلك «تفكهون» تتعجبون من سوء حالة إثر ما شاهدتموه على أحسن ما يكون من الحال أو تندمون على ما تعبتم فيه وأنفقتم عليه أو على ما اقترفتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه والتفكه التنقل بصنوف الفاكهة وقد استعير للتنقل بالحديث وقرئ تفكنون أي تتندمون وقرئ فظلتم بالكسر وفظللتم على الأصل «إنا لمغرمون» أي لملزمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون بهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك وقرئ أننا على الاستفهام والجملة على القراءتين مقدرة بقول هو في حيز النصب على الحالية من فاعل تفكهون أي قائلين أو تقولون إنا لمغرمون «بل نحن محرومون» حرمنا رزقنا أو محارفون محدودون لاحظ لنا ولا بخت لا مجدودون «أفرأيتم الماء الذي تشربون» عذبا فراتا وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لأن الشرب أهم المقاصد المنوطة به «أأنتم أنزلتموه من المزن» أي من السحاب واحده مزنة وقيل هو السحاب الأبيض وماؤه أعذب «أم نحن المنزلون» له بقدرتنا «لو نشاء جعلناه أجاجا» ملحا زعاقا لا يمكن شربه وحذف اللام ههنا مع إثباتها في الشرطية الأولى للتعويل على علم السامع أو الفرق بين المطعوم والمشروب في الأهمية وصعوبة الفقد والشرطيتان مستأنفتان مسوقتان لبيان أن عصمته تعالى للزرع والماء عما يخل بالتمتع بهما نعمة أخرة بعد نعمة الإنبات والإنزال مستوجبة للشكر فقوله تعالى «فلولا تشكرون» تحضيض على شكر الكل «أفرأيتم النار التي تورون» أي تقدحونها وتستخرجونها من الزناد «أأنتم أنشأتم شجرتها» التي منها الزناد وهي المرخ والعفار «أم نحن المنشئون» لها بقدرتنا والتعبير عن خلقها بالإنشاء المنبىء عن بديع الصنع المعرب عن كمال القدرة والحكمة لما فيه من الغرابة الفارقة بينها وبين سائر الشجر التي لا تخلو عن النار حتى قيل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار كما ان التعبير عن نفخ الروح بالإنشاء في قوله تعالى ثم أنشأناه خلقا آخر لذلك
(١٩٨)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة