تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٧٦
لم يخاطبوا بذلك دفعة بل خوطب كل منهم في زمانه بصيغة مفردة خاصة به «إنا نراك» تعليل لعرض رؤياهما عليه واستفسارها منه عليه السلام «من المحسنين» من الذين يجيدون عبارة الرؤيا لما إياه يقص عليه بعض أهل السجن رؤياه فيؤولها له تأويلا حسنا أو من العلماء لما سمعاه يذكر للناس ما يدل على علمه وفضله أو من المحسنين إلى أهل السجن أي فأحسن إلينا بكشف غمتنا إن كنت قادرا على ذلك روى أنه عليه السلام كان إذا مرض منهم رجل قام عليه وإذا ضاق مكانه أوسع له وإذا احتاج جمع له وعن قتادة رضى الله عنه كان في السجن ناس قد انقطع رجاؤهم وطال حزنهم فجعل يقول أبشروا واصبروا تؤجروا فقالوا بارك الله عليك ما أحسن وجهك وما أحسن خلقك لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى فقال أنا يوسف بن صفى الله يعقوب بن ذبيح الله إسحق بن خليل الله إبراهيم فقال له عامل السجن لو استطعت خليت سبيلك ولكني أحسن جوارك فكن في أي بيوت السجن شئت وعن الشعبي أنهما تحالما له ليمتحناه فقال الشرابي أراني في بستان فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فقطعتهما وعصرتها في كأس الملك وسقيته وقال الخباز إني أراني وفوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة إذا سباع الطير تنهس منها «قال لا يأتيكما طعام ترزقانه» في مقامكما هذا حسب عادتكما المطردة «إلا نبأتكما بتأويله» استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما به بأن بينت لكما ما هيته وكيفيته وسائر أحواله «قبل أن يأتيكما» وإطلاق التأويل عليه إما بطريق الاستعارة فإن ذلك بالنسبة إلى مطلق الطعام المبهم بمنزلة التأويل بالنظر إلى ما رئى في المنام وشبيه له وإما بطريق المشاكلة حسبما وقع في عبارتهما من قولهما نبئنا بتأويله ولا يبعد أن يراد بالتأويل الشيء الآئل لا المآل فإنه في الأصل جعل شيء آئلا إلى شيء آخر فكما يجوز أن يراد به الثاني يجوز أن يراد به الأول فالمعنى إلا نبأتكما بما يؤول إليه من الكلام والخبر المطابق للواقع وكان عليه السلام يقول لهما اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيجدنه كذلك ومراده عليه السلام بذلك بيان كل ما يهمهما من الأمور المترقبة قبل وقوعها وإنما تخصيص الطعام بالذكر لكونه عريقا في ذلك بحسب الحال مع ما فيه من مراعاة حسن التخلص إليه مما استعبراه من الرؤييين المتعلقتين بالشراب والطعام وقد جعل الضمير لما قصا من الرؤييين على معنى لا يأتيكما طعام ترزقانه حسب عادتكما إلا أخبرتكما بتأويل ما قصصتما علي قبل أن يأتيكما ذلك الطعام الموقت مرادا به الإخبار بالاستعجال في التنبئة وأنت خبير بأن النظم الكريم ظاهر في تعدد إتيان الطعام والإخبار بالتأويل وتجددهما وأن المقام مقام إظهار فضله في فنون العلوم بحيث يدخل في ذلك تأويل رؤياهما دخولا أوليا وإنما لم يكتف عليه السلام بمجرد تأويل رؤياهما مع أن فيه دلالة على فضله لأنهما لما نعتاه عليه السلام بالانتظام في سمط المحسنين وإنهما قد علما ذلك حيث قالا إنا نراك
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308