خبره والمعنى إن كان الأمر كما قلتن فذلكن الملك الكريم النائي من المراتب البشرية هو «الذي لمتنني فيه» أي عيرتنني في الافتتان به حيث ربأتن بمحلي بنسبتي إلى العزيز ووضعتن قدره بكونه من المماليك أو بالعنوان الذي وصفنه به فيما سبق بقولهن امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني فهو خبر لمبتدأ محذوف أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن وقلتن فيه وفي ما قلتن فالآن قد علمتن من هو وما قولكن فينا وأما ما يقال تعني أنكن لم تصورنه بحق صورته ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتتان به فلا يلائم المقام فإن مرادها بدعوتهن وتمهيد ما مهدته لهن تبكيتهن وتنديمهن على ما صدر عنهن من اللوم وقد فعلت ذلك بما لا مزيد عليه وما ذكر من المقال فحق المعتذر قبل ظهور معذرته وقد قيل في تعليل الملكية أن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من الخواص الملكية وهو أيضا لا يلائم قولها فذلكن الذي لمتنني فيه فإن عنوان العصمة مما ينافي تمشية مرامها ثم بعد ما أقامت عليهن الحجة وأوضحت لديهن عذرها وقد أصابهن من قبله عليه السلام ما أصابها باحت لهن ببقية سرها فقالت «ولقد راودته عن نفسه» حسبما قلتن وسمعتن «فاستعصم» امتنع طالبا للعصمة وهو بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد كأنه في عصمة وهو يجتهد في الإستزاده منها كما في استمسك واستجمع الرأي وفيه برهان نير على أنه لم يصدر عنه عليه السلام شيء مخل باستعصامه بقوله معاذ الله من الهم وغيره اعترفت لهن أولا بما كن يسمعنه من مراودتها له وأكدته إظهارا لابتهاجها بذلك ثم زادت على ذلك أنه أعرض عنها على أبلغ ما يكون ولم يمل إليها قط ثم زادت عليه أيضا أنها مستمرة على ما كانت عليه غير مرعوية عنه لا بلوم العواذل ولا بإعراض الحبيب فقالت «ولئن لم يفعل ما آمره» أي آمر به فيما سيأتي كما لم يفعل فيما مضى فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير كما في أمرتك الخير الضمير للموصول أو أمري إياه أي موجب أمري ومقتضاه فما مصدرية فالضمير ليوسف وعبرت عن مراودتها بالأمر إظهارا لجريان حكومتها عليه واقتضاء للإمتثال بأمرها «ليسجنن» بالنون المثقلة آثرت بناء الفعل للمفعول جريا على رسم الملوك أو إيهاما لسرعة ترتب ذلك على عدم امتثاله لأمرها كأنه لا يدخل بينهما فعل فاعل «وليكونن» بالمخففة «من الصاغرين» أي الأذلاء في السجن وقد قرىء الفعلان بالتثقيل ولكن المشهورة أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفا على حكم الوقف واللام الداخلة على حرف الشرط موطئة للقسم وجوابه ساد مسد الجوابين ولقد أتت بهذا الوعيد المنطوى على فنون التأكيد بمحضر منهن ليعلم يوسف عليه السلام أنها ليست في أمرها على خفية ولا خيفة من أحد فتضيق عليه الحيل وتعيا به العلل وينصحن له ويرشدنه إلى موافقتها ولما كان هذا الإبراق والإرعاد منها مظنة لسؤال سائل يقول فما صنع يوسف حينئذ قيل «قال» مناجيا لربه عز سلطانه «رب السجن» الذي أوعدتني بالإلقاء فيه وقرأ يعقوب بالفتح على المصدر «أحب إلى»
(٢٧٣)