أي آثر عندي لأنه مشقة قليلة نافذة أثرها راحات جليلة أبدية «مما يدعونني إليه» من مؤاتانها التي تؤدي إلى الشقاء والعذاب الأليم وهذا الكلام منه عليه السلام مبني على ما مر من انكشاف الحقائق لديه وبروز كل منها بصورتها اللائقة بها فصيغة التفضيل ليست على بابها إذ ليس له شائبة محبة لما دعته إليه وإنما هو والسجن شران أهونهما وأقربهما إلى الإيثار السجن والتعبير علن الإيثار بالمحبة لحسم مادة طمعها عن المساعدة خوفا من الحبس والاقتصار على ذكر السجن من حيث إن الصغار من فروعه ومستتبعاته وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأن النسوة رغبته في مطاوعتها وخوفته من مخالفتها وقيل دعونه إلى أنفسهن وقيل إنما ابتلى عليه السلام بالسجن لقوله هذا وكان الأولى به أن يسأل الله تعالى العافية ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الصبر «وإلا تصرف» أي إن لم تصرف «عني كيدهن» في تحبيب ذلك إلي وتحسينه لدي بأن تثبتني على ما أنا عليه من العصمة والعفة «أصب إليهن» أي أمل إلى إجابتهن أو إلى أنفسهن على قضية الطبيعة وحكم القوة الشهوية وهذا فزع منه عليه السلام إلى ألطاف الله تعالى جريا على سنن الأنبياء والصالحين في قصر نيل الخيرات والنجاة عن الشرور على جناب الله عز وجل وسلب القوى والقدر عن أنفسهم ومبالغة في استدعاء لطفه في صرف كيدهن بإظهار أن لا طاقة له بالمدافعة كقول المستغيث أدركني وإلا هلكت لا أنه يطلب الإجبار والإلجاء إلى العصمة والعفة وفي نفسه داعية تدعوه إلى هواهن والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها وقرئ أصب إليهن من الصبابة وهي رقة الشوق «وأكن من الجاهلين» الذين لا يعملون بما يعلمون لأن من لا جدوى لعلمه فهو والجاهل سواء أو من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه من القبائح لأن الحكيم لا يفعل القبيح «فاستجاب له ربه» دعاءه الذي تضمنه قوله وإلا تصرف عني كيدهن الخ فإن فيه استدعاء لصرف كيدهن على أبلغ وجه وألطفه كما مر وفي إسناد الاستجابة إلى الرب مضافا إليه عليه السلام ما لا يخفى من إظهار اللطف «فصرف عنه كيدهن» حسب دعائه وثبته على العصمة والعفة «إنه هو السميع» لدعاء المتضرعين إليه «العليم» بأحوالهم وما يصلحهم «ثم بدا لهم» أي ظهر للعزيز وأصحابه المتصدين للحل والعقد ريثما اكتفوا بأمر يوسف بالكتمان والإعراض عن ذلك «من بعد ما رأوا الآيات» الصارفة لهم عن ذلك البداء وهي الشواهد الدالة على براءته عليه السلام وفاعل بدأ إما مصدره أو الرأي المفهوم من السياق أو المصدر المدلول عليه بقوله «ليسجننه» والمعنى بذا لهم بداء أو رأى أو سجنه المحتوم قائلين والله ليسجننه فالقسم المحذوف وجوابه معمول للقول المقدر حالا من ضميرهم وما كان ذلك البداء إلا باستنزال المرأة لزوجها ومثلها منه في الذروة والغارب وكان مطواعة لها تقوده حيث شاءت قال السدي إنها قالت للعزيز إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس يخبرهم بأني راودته عن نفسه فإما أن تأذن لي
(٢٧٤)