أي يوسف عليه السلام «للذي ظن أنه ناج» أوثر على صيغة المضارع مبالغة في الدلالة على تحقق النجاة حسبما يفيده قوله تعالى «قضي الأمر الذي فيه تستفتيان» وهو السر في إيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال للذي ظنه ناجيا «منهما» من صاحبيه وإنما ذكر بوصف النجاة تمهيدا لمناط التوصية بالذكر عند الملك وعنوان التقرب المفهوم من التعبير المذكور وإن كان أدخل في ذلك وأدعى إلى تحقيق ما وصاه به لكنه ليس بوصف فارق يدور عليه الامتياز بينه وبين صاحبه المذكور بوصف الهلاك والظان هو يوسف عليه السلام لا صاحبه لأن التوصية المذكورة لا تدور على ظن الناجي بل على ظن يوسف وهو بمعنى اليقين كما في قوله تعالى «ظننت أني ملاق حسابيه» فالتعبير بالوحي كما ينبئ عنه قوله تعالى «قضي الأمر» الخ وقيل هو بمعناه والتعبير بالاجتهاد والحكم بقضاء الأمر أيضا اجتهادي «اذكرني» بما أنا عليه من الحال والصفة «عند ربك» سيدك وصفني له بصفتي التي شاهدتها «فأنساه الشيطان» أي أنسى الشرابي بوسوسته وإلقائه في قلبه أشغالا تعوقه عن الذكر وإلا فالإنساء في الحقيقة لله عز وجل والفاء للسببية فإن توصيته عليه السلام المتضمنة للاستعانة بغيره سبحانه كانت باعثة لما ذكر عن الإنساء «ذكر ربه» اي ذكر الشرابي له عليه السلام عند الملك والإضافة لأدنى ملابسة أو ذكر اخبار ربه «فلبث» أي يوسف عليه السلام بسبب ذلك الإنساء أو القول «في السجن بضع سنين» البضع ما بين الثلاث إلى التسع من البضع وهو القطع وأكثر الأقاويل إنه لبث فيه سبع سنين وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة بالعباد وإن كانت مرخصة لكن اللائق بمناصب الأنبياء عليهم السلام الأخذ بالعزائم «وقال الملك» أي الريان «إني أرى» أي رأيت وإيثار صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية «سبع بقرات سمان» جمع سمين وسمينة ككرام في جمع كريم وكريمة يقال رجال كرام ونسوة كرام «يأكلهن» أي أكلهن والعدول إلى المضارع لاستحضار الصورة تعجيبا والجملة حال من البقرات أو صفة لها «سبع عجاف» أي سبع بقرات عجاف وهي جمع عجفاء والقياس عجف لأن فعلاء وأفعل لا يجمع على فعال ولكن عدل به عن القياس حملا لأحد النقيضين على الآخر وإنما لم يقل سبع عجاف بالإضافة لأن التمييز موضوع لبيان الجنس والصفة ليست بصالحة لذلك فلا يقال ثلاثة ضخام وأربعة غلاظ وأما قولك ثلاثة فرسان وخمسة ركبان فلجريان الفارس والراكب مجرى الأسماء روى أنه رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابس وخرج عقيبهن سبع بقرات عجاف في غاية الهزال فابتلعت العجاف السمان «وسبع سنبلات خضر» قد انعقد حبها «وأخر يابسات» أي وسبعا أخر يابسات قد أدركت والتوت على الخضر حتى غلبتها على ما روى ولعل عدم التعرض لذكره للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات «يا أيها الملأ» خطاب للأشراف من العلماء والحكماء «أفتوني في رؤياي» هذه أي عبروها وبينوا حكمها وما تؤول إليه من العاقبة والتعبير عن التعبير بالإفتاء
(٢٨٠)