عليه السلام ولعل إيثاره عليه السلام لتلك الولاية خاصة إنما كان للقيام بما هو أهم أمور السلطنة إذ ذاك من تدبير أمر السنين حسبما فصل في التأويل لكونه من فروع تلك الولاية لمجرد عموم الفائدة وجموم العائدة كما قيل وإنما لم يذكر إجابة الملك إلى ما سأله عليه السلام من جعله على خزائن الأرض إيذانا بأن ذلك أمر لا مرد له غني عن التصريح به لا سيما بعد تقديم ما يندرج تحته من أحكام السلطنة بحذافيرها من قوله إنك اليوم لدينا مكين أمين وللتنبيه على أن كل ذلك من الله عز وجل وإنما الملك آلة في ذلك قيل «وكذلك» أي مثل ذلك التمكين البليغ «مكنا ليوسف» أي جعلنا له مكانا «في الأرض» أي أرض مصر روى أنها كانت أربعين فرسخا في أربعين وفي التعبير عن الجعل المذكور بالتمكين في الأرض مسندا إلى ضميره عز سلطانه من تشريفه عليه السلام والمبالغة في كمال ولايته والإشارة إلى حصول ذلك من أول الأمر لا أنه حصل بعد السؤال ما لا يخفى «يتبوأ منها» ينزل من بلادها «حيث يشاء» ويتخذه مباءة وهو عبارة عن كمال قدرته على التصرف فيها ودخولها تحت ملكته وسلطانه فكأنها منزله يتصرف فيها كما يتصرف الرجل في منزله وقرأ ابن كثير بالنون روى أن الملك توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال عليه السلام أما السرير فأشد به ملكك وأما الخاتم فأدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فقال قد وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوض إليه الملك أمره وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء وباع من أهل مصر في سنى القحط الطعام في السنة الأولى بالدنانير والدراهم وفي الثانية بالحلى والجواهر وفي الثالثة بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا فقالوا ما رأينا كاليوم ملكا أجل وأعظم منه ثم أعتقهم ورد إليهم أموالهم وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس «نصيب برحمتنا» بعطائنا في الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم «من نشاء» بمقتضى الحكمة الداعية إلى المشيئة «ولا نضيع أجر المحسنين» بل نوفيه بكماله وفيه إشعار بأن مدار المشيئة المذكورة إحسان من تصيبه الرحمة المرقومة وأنها أجر له ولدفع توهم انحصار ثمرات الإحسان فيما ذكر من الأجر العاجل قيل على سبيل التوكيد «ولأجر الآخرة» أي أجرهم في الآخرة فالإضافة للملابسة وهو النعيم المقيم الذي لا نفاد له «خير» لهم أي للمحسنين المذكورين وإنما وضع موضعه الموصول فقيل «للذين آمنوا وكانوا يتقون» تنبيها على أن المراد بالإحسان إنما هو الإيمان والثبات على التقوى المستفاد من جمع صيغتي الماضي والمستقبل «وجاء
(٢٨٧)