تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٤ - الصفحة ٢٧٧
من المحسنين توسم عليه السلام فيهما خيرا وتوجها إلى قبول الحق فأراد أن يخرج آثر ذي أثير عما في عهدته من دعوة الخلق إلى الحق فمهد قبل الخوض في ذلك مقدمة تزيدهما علما بعظم شأنه وثقة بأمره ووقوفا على علو طبقته في بدائع العلوم توسلا بذلك إلى تحقيق ما يتوخاه وقد تخلص إليها من كلامهما فكأنه قال تأويل ما قصصتماه علي في طرف التمام حيث رأيتما مثاله في المنام وإني أبين لكما كل جليل ودقيق من الأمور المستقبلة وإن لم يكن هناك مقدمة المنام حتى إن الطعام الموظف الذي يأتيكما كل يوم أبينه لكما قبل إتيانه ثم أخبرهما بأن علمه ذلك ليس من قبيل علوم الكهنة والعرافين بل هو أفضل إلهي يؤتيه من يشاء ممن يصطفيه للنبوة فقال «ذلكما» أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات ومعنى البعد في ذلك للإشارة إلى علو درجته وبعد منزلته «مما علمني ربي» بالوحي والإلهام أي بعض منه أو من ذلك الجنس الذي لا يحوم حول إدراكه العقول ولقد دلهما بذلك على أن له علوما جمة ما سمعاه قطعة من جملتها وشعبة من دوحتها ثم بين أن نيل تلك الكرامة بسبب اتباعه ملة آبائه الأنبياء العظام وامتناعه عن الشرك فقال «إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله» وهو استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من قوله ذلكما مما علمني ربي وتعليلا له لا للتعليم الواقع صلة للموصول لتأديته إلى معنى أنه مما علمني ربي لهذا السبب دون غيره ولا لمضمون الجملة الخبرية لأن ما ذكر بصدد التعليل ليس بعلة لكون التأويل المذكور بعضا مما علمه ربه أو لكونه من جنسه بل لنفس تعليم ما علمه فكأنه قيل لماذا علمك ربك تلك العلوم البديعة فقيل لأني تركت ملة الكفرة أي دينهم الذي اجتمعوا عليه من الشرك وعبادة الأوثان والمراد بتركها الامتناع عنها رأسا كما يفصح عنه قوله ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء لا تركها بعد ملابستها وإنما عبر عنه بذلك لكونه أدخل بحسب الظاهر في إقتدائهما به عليه السلام والتعبير عن كفرهم بالله تعالى بسلب الإيمان به للتنصيص على أن عبادتهم له تعالى مع عبادة الأوثان ليست بإيمان به تعالى كما هو زعمهم الباطل على ما مر في قوله تعالى إنه عمل غير صالح «وهم بالآخرة» وما فيها من الجزاء «هم كافرون» على الخصوص دون غيرهم لإفراطهم في الكفر «واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب» يعنى أنه إنما حاز هذه الكمالات وفاز بتلك الكرامات بسبب أنه اتبع ملة آبائه الكرام ولم يتبع ملة قوم كفروا بالمبدأ والمعاد وإنما قاله عليه السلام ترغيبا لصاحبيه في الإيمان والتوحيد وتنفيرا لهما عما كانا عليه من الشرك والضلال وقدم ذكر تركه لملتهم على ذكر اتباعه لملة آبائه لأن التخلية متقدمة على التحلية «ما كان» أي ما صح وما استقام فضلا عن الوقوع «لنا» معاشر الأنبياء لقوة نفوسنا ووفور علومنا «أن نشرك بالله من شيء» أي شيء كان من ملك أو جنى أو إنسي فضلا عن الجماد البحث «ذلك» أي التوحيد المدلول عليه بقوله ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء «من فضل الله علينا» أي ناشىء من تأييده لنا بالنبوة وترشيحه إيانا لقيادة الأمة
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 8 - سورة الأنفال 2
2 قوله تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. 15
3 (الجزء العاشر) قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربى واليتامى الخ 22
4 9 - سورة التوبة 39
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل الخ 62
6 قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي السبيل الله وابن السبيل. 76
7 (الجزء الحادي عشر) قوله تعالى: إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف. 93
8 قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة الخ. 111
9 10 - سورة يونس عليه السلام 115
10 قوله تعالى: الذين أحسنوا الحسنى وزيادة. 138
11 قوله تعالى: واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت. 164
12 11 - سورة هود عليه السلام 182
13 (الجزء الثاني عشر) قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. 186
14 قوله تعالى: وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي فغفور رحيم. 209
15 قوله تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 231
16 12 - سورة يوسف عليه السلام 250
17 قوله تعالى: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي. 285
18 قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض. 308