الرؤيا بما أول وأمرهم بالتدبير اللائق في شأنه إبانة لعلو كعبه ورسوخ قدمه في الفضل وأنه محيط بما لم يخطر ببال أحد فضلا عما يرى صورته في المنام على نحو قوله لصاحبيه عند استفتائهما في منامهما لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله وإتماما للنعمة عليهم حيث لم يشاركه عليه السلام في العلم بوقوعها أحد ولو برؤية ما يدل عليها في المنام «وقال الملك» بعدما جاءه السفير بالتعبير وسمع منه ما سمع من نقير وقطمير «ائتوني به» لما علم من علمه وفضله «فلما جاءه» أي يوسف «الرسول» واستدعاه إلى الملك «قال ارجع إلى ربك» أي سيدك «فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن» أي ففتشه عن شأنهم وإنما لم يقل فاسأله أن يفتش عن ذلك حثا للملك على الجد في التفتيش ليتبين برءاته ويتضح نزاهته إذ السؤال مما يهيج الإنسان على الاهتمام في البحث للتفصي عما توجه إليه وأما الطلب فمما قد يتسامح ويتساهل فيه ولا يبالي به وإنما لم يتعرض لامرأة العزيز مع ما لقي منها ما لقي من مقاساة الأحزان ومعاناة الأشجان والأحزان محافظة على مواجب الحقوق واحترازا عن مكرها حيث اعتقدها مقيمة في عدوة العداوة وأما النسوة فقد كان يطمع في صدعهن بالحق وشهادتهن بإقرارها بأنها راودته عن نفسه فاستعصم ولذلك اقتصر على وصفهن بتقطيع الأيدي ولم يصرح بمراودتهن له وقولهن أطع مولاتك واكتفى بالإيماء إلى ذلك بقوله «إن ربي بكيدهن عليم» مجاملة معهن واحترازا عن سوء قالتهن عند الملك وانتصابهن للخصومة مدافعة عن أنفسهن متى سمعن بنسبته لهن إلى الفساد «قال» استئناف مبني على السؤال كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك فقيل قال الملك إثر ما بلغه الرسول الخبر وأحضرهن «ما خطبكن» أي شأنكن وهو الأمر الذي يحق لعظمه أن يخاطب المرء فيه صاحبه «إذ راودتن يوسف» وخادعتنه «عن نفسه» ورغبتنه في إطاعة مولاته هل وجدتن فيه شيئا من سوء وريبة «قلن حاش لله» تنزيها له وتعجبا من نزاهته وعفته «ما علمنا عليه من سوء» بالغن في نفي جنس السوء عنه بالتنكير وزيادة من «قالت امرأة العزيز» وكانت حاضرة في المجلس وقيل أقبلت النسوة عليها يقررنها وقيل خافت أن يشهدن عليها بما قالت لهن ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين فأقرت قائلة «الآن حصحص الحق» أي ثبت واستقر أو تبين وظهر بعد خفاء قاله الخليل وقيل هو مأخوذ من الحصة وهي القطعة من الجملة أي تبين حصة الحق من حصة الباطل كما تتبين حصص الأراضي وغيرها وقيل بان وظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه وقرئ على البناء للمفعول من حصحص البعير مباركة أي ألقاها في
(٢٨٤)