لأنه يكون تحضيضا لأولى البقية على النهي المذكور إلا للقليل من الناجين منهم كما إذا قلت هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم مريدا لاستثناء الصلحاء من المحضضين على القراءة نعم يصح ذلك إن جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض فكأنه قيل ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا منهم لكن الرفع هو الأفصح حينئذ على البدلية «واتبع الذين ظلموا» بمباشرة الفساد وترك النهي عنه «ما أترفوا فيه» أي أنعموا من الشهوات واهتموا بتحصيلها أما المباشرون فظاهر وأما المساهلون فلما لهم في ذلك من نيل حظوظهم الفاسدة وقيل المراد بهم تاركو النهي وأنت خبير بأنه يلزم منه عدم دخول مباشري الفساد في الظلم والإجرام عبارة «وكانوا مجرمين» أي كافرين فهو بيان لسبب استئصال الأمم المهلكة وهو فشو الظلم واتباع الهوى فيهم وشيوع ترك النهي عن المنكرات مع الكفر وقوله واتبع عطف على مضمر دل عليه الكلام أي لم ينهوا واتبع الخ فيكون العدول إلى المظهر لإدراج المباشرين معهم في الحكم والتسجيل عليهم بالظلم وللإشعار بعلية ذلك لما حاق بهم من العذاب أو على استئناف يترتب على قوله إلا قليلا أي إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا من مباشري الفساد وتاركي النهي عنه فيكون الإظهار مقتضى الظاهر وقوله وكانوا مجرمين عطف على أترفوا أي اتبعوا الإتراف وكونهم مجرمين لأن تابع الشهوات مغمور بالآثام أو أريد بالإجرام إغفالهم للشكر أو على اتبع أي اتبعوا شهواتهم وكانوا بذلك الاتباع مجرمين ويجوز أن يكون اعتراضا وتسجيلا عليهم بأنهم قوم مجرمون وقرئ وأتبع أي أتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال ويجوز أن يفسر به المشهورة ويعضده تقدم الإنجاء «وما كان ربك ليهلك القرى» أي ما صح وما استقام بل استحال في الحكمة أن يهلك القرى التي أهلكها حسب ما بلغك أنباؤها ويعلم من ذلك حال باقيها من القرى الظالمة واللام لتأكيد النفي وقوله «بظلم» أي ملتبسا به قيل هو حال من الفاعل أي ظالما لها والتنكير للتفخيم والإيذان بأن إهلاك المصلحين ظلم عظيم والمراد تنزيه الله تعالى عن ذلك بالكلية بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى وإلا فلا ظلم فيما فعله الله تعالى بعباده كائنا ما كان لما تقرر من قاعدة أهل السنة وقد مر تفصليه في سورة آل عمران عند قوله تعالى وأن الله ليس بظلام للعبيد وقوله تعالى «وأهلها مصلحون» حال من المفعول والعامل عامله ولكن لا باعتبار تقيده بما وقع حالا من فاعله أعني بظلم لدلالته على تقيد نفي الإهلاك ظلما بحال كون أهلها مصلحين ولا ريب في فساده بل مطلقا عن ذلك وقيل المراد بالظلم الشرك والباء للسببية أي لا يهلك القرى بسبب إشراك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم ولا يضمون إلى شركهم فسادا آخر وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه تعالى ومن ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد الفقراء على حقوق الله تعالى الغني الحميد وقيل الملك يبقى مع الشرك ولا يبقى مع الظلم وأنت تدري أن مقام النهي عن المنكرات التي أقبحها الإشراك بالله لا يلائمه فإن الشرك داخل في الفساد في الأرض دخولا أوليا ولذلك كان ينهى كل من الرسل الذين قصت أنباؤهم أمته أولا عن الإشراك ثم عن
(٢٤٧)