المستكن في قوله فاستقم وحسن من غير تأكيد لمكان الفاصل القائم مقامه وفي الحقيقة هو من عطف الجملة على الجملة إذ المعنى وليستقم من تاب معك وقيل هو منصوب على أنه مفعول معه كما قاله أبو البقاء والمعنى استقم مصاحبا لمن تاب معك «ولا تطغوا» ولا تنحرفوا عما حد لكم بإفراط أو تفريط فإن كلا طرف قصد الأمور ذميم وإنما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا أو تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله عليه السلام «إنه بما تعملون بصير» فيجازيكم على ذلك وهو تعليل للأمر والنهي وفي الآية دلالة على وجوب اتباع المنصوص عليه من غير انحراف بمجرد الرأي فإنه طغيان وضلال وأما العمل بمقتضى الإجتهاد التابع لعلل النصوص فذلك من باب الإستقامة كما أمر على موجب النصوص الآمرة بالاجتهاد «ولا تركنوا» أي لا تميلوا أدنى ميل «إلى الذين ظلموا» أي إلى الذين وجد منهم الظلم في الجملة ومدار النهي هو الظلم والجمع باعتبار جمعية المخاطبين وما قيل من أن ذلك للمبالغة في النهي من حيث إن كونهم جماعة مظنة الرخصة في مداهنتهم إنما يتم أن لو كان المراد النهي عن الركون إليهم من حيث إنهم جماعة وليس كذلك «فتمسكم» بسبب ذلك «النار» وإذا كان حال الميل في الجملة إلى من وجد منه ظلم ما في الإفضاء إلى مساس النار هكذا فما ظنك بمن يمل إلى الراسخين في الظلم والعدوان ميلا عظيما ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتهم ويلقى شراشره على مؤانستهم ومعاشرتهم ويبتهج بالتزيي بزيهم ويمد عينيه إلى زهرتهم الفانية ويغبطهم بما أوتوا من القطوف الدانية وهو في الحقيقة من الحبة طفيف ومن جناح البعوض خفيف بمعزل عن أن تميل إليه القلوب ضعف الطالب والمطلوب والآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين للتثبيت على الإستقامة التي هي العدل فإن الميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط ظلم على نفسه أو على غيره وقرئ تركنوا على لغة تميم وتركنوا على صيغة البناء للمفعول من أركنه «وما لكم من دون الله من أولياء» أي من أنصار ينقذونكم من النار والجملة نصب على الحالية من قوله فتمسكم النار ونفى الأولياء ليس بطريق نفي أن يكون لكل واحد منهم أولياء حتى يصدق أن يكون له ولي بل لمكان لكم بطريق انقسام الآحاد على الآحاد لكن لا على معنى نفي استقلال كل منهم بنصير بل على معنى نفي أن يكون لواحد منهم نصير بقرينة المقام «ثم لا تنصرون» من جهة الله سبحانه إذ قد سبق في حكمه أن يعذبكم بركونكم إليهم ولا يبقى عليكم وثم لتراخي رتبة كونهم غير منصورين من جهة الله بعد ما أوعدهم بالعذاب وأوجبه عليهم ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء بمعنى الاستبعاد فإنه لما بين أن الله تعالى معذبهم وأن غيره لا ينقذهم أنتج أنهم لا ينصرون أصلا «وأقم الصلاة طرفي النهار» أي غدوة وعشية وانتصابه على الظرفية لكونه مضافا إلى الوقت «وزلفا من الليل» أي ساعات منه قريبة من النهار فإنه من أزلفه إذا قربه جمع زلفة عطف على طرفي النهار والمراد بصلاتهما صلاة
(٢٤٥)