فلا يحصل لهم الهداية التي عبر عنها بالإذن فيبقون مغمورين بقبائح الكفر والضلال أو مقهورين بالعذاب والنكال والجملة معطوفة على مقدر ينسحب عليه النظم الكريم كأنه قيل فيأذن لهم بمنح الألطاف ويجعل الخ «قل» مخاطبا لأهل مكة بعثا لهم على التدبر في ملكوت السماوات والأرض وما فيهما من تعاجيب الآيات الأنفسية والآفاقية ليتضح لك أنهم من الذين لا يعقلون وحقت عليهم الكلمة «انظروا» أي تفكروا وقرئ بنقل حركة الهمزة إلى لام قل «ماذا في السماوات والأرض» أي أي شيء بديع فيهما من عجائب صنعه الدالة على وحدته وكمال قدرته على أن ماذا جعل بالتركيب اسما واحدا مغلبا فيه الاستفهام على اسم الإشارة فهو مبتدأ خبره الظرف ويجوز أن يكون ما مبتدأ وذا بمعنى الذي والظرف صلته والجملة خبر للمبتدأ وعلى التقديرين فالمبتدأ والخبر في محل النصب بإسقاط الخافض وفعل النظر معلق بالاستفهام «وما تغني» أي ما تنفع وقرئ بالتذكير «الآيات» وهي التي عبر عنها بقوله تعالى ماذا في السماوات والأرض «والنذر» جمع نذير على أنه فاعل بمعنى منذر أو على أنه مصدر أي لا تنفع الآيات والرسل المنذرون أو الإنذارات «عن قوم لا يؤمنون» في علم الله تعالى وحكمه فما نافية والجملة إما حالية أو اعتراضية ويجوز كون ما استفهامية إنكارية في موضع النصب على المصدرية أي أي إغناء تغنى الخ فالجملة حينئذ اعتراضية «فهل ينتظرون» أي مشركو مكة وأضرابهم «إلا مثل أيام الذين خلوا» أي إلا يوما مثل أيام الذين خلوا «من قبلهم» من مشركي الأمم الماضية أي مثل وقائعهم ونزول بأس الله بهم إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها «قل» تهديدا لهم «فانتظروا» ما هو عاقبتكم «إني معكم من المنتظرين» لذلك «ثم ننجي رسلنا» بالتشديد وقرئ بالتخفيف وهو عطف على مقدر يدل عليه قوله مثل أيام الذين خلوا وما بينهما اعتراض جيء به مسارعة إلى التهديد ومبالغة في تشديد الوعيد كأنه قيل أهلكنا الأمم ثم نجينا رسلنا المرسلة إليهم «والذين آمنوا» وصيغة الاستقبال لحكاية الأحوال الماضية لتهويل أمرها باستحضار صورها وتأخير حكاية التنجية عن حكاية الإهلاك على عكس ما في قوله تعالى فنجيناه ومن معه في الفلك الخ ونظائره الواردة في مواقع عديدة ليتصل به قوله عز وجل «كذلك» أي مثل ذلك الإنجاء «حقا علينا» اعتراض بين العامل والمعمول أي حق ذلك حقا وقيل بدل من المحذوف الذي ناب عنه كذلك أي إنجاء مثل ذلك حقا والكاف متعلقة بقوله تعالى «ننجي المؤمنين» أي من كل شدة وعذاب والجملة تذييل لما قبلها مقرر لمضمونه والمراد بالمؤمنين إما الجنس المتناول للرسل عليهم السلام والأتباع وإما الأتباع فقط وإنما لم يذكر إنجاء الرسل إيذانا بعدم الحاجة إليه وأيا ما كان ففيه
(١٧٨)