تنبيه على أن مدار النجاة هو الإيمان «قل» لجمهور المشركين «يا أيها الناس» أوثر الخطاب باسم الجنس مصدرا بحرف التنبيه تعميما للتبليغ وإظهارا لكمال العناية بشأن ما بلغ إليهم «إن كنتم في شك من ديني» الذي أتعبد الله عز وجل به وأدعوكم إليه ولم تعلموا ما هو وما صفته «فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله» في وقت من الأوقات «ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم» ثم يفعل بكم ما يفعل من فنون العذاب أي فاعلموا أنه تخصيص العبادة به ورفض عبادة ما سواه من الأصنام وغيرها مما تعبدونه جهلا وتقديم ترك عبادة الغير على عبادته تعالى لتقدم التخلية على التحلية كما في كلمة التوحيد وللإيذان بالمخالفة من أول الأمر أو إن كنتم في شك من صحة ديني وسداده فاعلموا أن خلاصته إخلاص العبادة لمن بيده الإيجاد والإعدام دون ما هو بمعزل منهما من الأصنام فاعرضوها على عقولكم وأجيلوا فيها أفكاركم وانظروا فيها بعين الإنصاف لتعلموا أنه حق لا ريب فيه وفي تخصيص التوفي بالذكر متعلقا بهم ما لا يخفى من التهديد والتعبير عما هم فيه بالشك مع كونهم قاطعين بعدم الصحة للإيذان بأن أقصى ما يمكن عروضه للعاقل في هذا الباب هو الشك في صحته وأما القطع بعدمها فمما لا سبيل إليه أو إن كنتم في شك من ثباتي على الدين فاعلموا أني لا أتركه أبدأ «وأمرت أن أكون من المؤمنين» بما دل عليه العقل ونطق به الوحي وهو تصريح بأن ما هو عليه من دين التوحيد ليس بطريق العقل الصرف بل بالإمداد السماوي والتوفيق الإلهي وحذف حرف الجر من أن يجوز أن يكون من باب الحذف المطرد مع أن وأن يكون خاصا بفعل الأمر كما في قوله أمرتك الخير فافعل ما أمرت به «وأن أقم وجهك للدين» عطف على أن أكون خلا أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا ضير في ذلك لأن مناط جواز وصلها بصيغ الأفعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والطلبية ووجوب كون الصلة خبرية في الموصول الأسمى إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهي لا توصف إلا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحرفي كذلك أي وأمرت بالاستقامة في الدين والاستبداد فيه بأداء المأمور به والانتهاء عن المنهى عنه أو باستقبال القبلة في الصلاة وعدم الالتفات إلى اليمين والشمال حنيفا حال من الدين أو الوجه أي مائلا عن الأديان الباطلة «ولا تكونن من المشركين» عطف على أقم داخل تحت الأمر أي لا تكونن منهم اعتقادا ولا عملا وقوله عز وعلا «ولا تدع» عطف على قوله تعالى قل يا أيها الناس غير داخل تحت الأمر وقيل على ما قبله من النهى والوجه هو الأول لأن ما بعده من الجمل إلى آخر الآيتين متسقة لا يمكن فصل بعضها عن بعض كما ترى ولا وجه لادراج الكل تحت
(١٧٩)