أهون عليه يقولون ما يقولون فسبحان الله عما يصفون وقرأ حمزة والكسائي إلا ساحر على ان الإشارة إلى القاتل أو إلى القرآن على أسلوب شعر شاعر وقرئ بالفتح على تضمين قلت معنى ذكرت أو على أن أنك بمعنى عنك في علك أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون على أن الرجاء والتوقع باعتبار حال المخاطبين أي توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره أو على أنه مجاراة معهم في الكلام على نهج المساعدة لئلا يسارعوا إلى اللجاج والعناد ريثما قرع أسماعهم بت القول بخلاف ما ألفوا وألفوا عليه آباءهم من إنكار البعث ويكون ذلك أدعى لهم إلى التأمل والتدبر وما فعلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون «ولئن أخرنا عنهم العذاب» المترتب على بعثهم أو العذاب الموعود في قوله تعالى فإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير وقيل عذاب يوم بدر وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قتل جبريل عليه السلام للمستهزئين والظاهر أن المراد به العذاب الشامل للكفرة دون ما يخص ببعض منهم على أنه لم يكن موعودا يستعجل منه المجرمون «إلى أمة معدودة» إلى طائفة من الأيام قليلة لأن ما يحصره العد قليل «ليقولن ما يحبسه» أي أي شيء يمنعه من المجيء فكأنه يريده فيمنعه مانع وإنما كانوا يقولونه بطريق الاستعجال استهزاء لقوله تعالى ما كانوا به يستهزئون ومرادهم إنكار المجيء والحبس رأسا لا الاعتراف به والاستفسار عن حابسه «ألا يوم يأتيهم» ذلك «ليس مصروفا» محبوسا «عنهم» على معنى أنه لا يرفعه رافع أبدا إن أريد به عذاب الآخرة أو لا يدفعه عنكم دافع بل هو واقع بكم إن أريد به عذاب الدنيا ويوم منصوب بخبر ليس مقدما عليه واستدل به البصريون على جواز تقديمه على ليس إذ المعمول تابع للعامل فلا يقع إلا حيث يقع متبوعه ورد بأن الظرف يجوز فيه ما لا يجوز في غيره توسعا وبأنه قد يقدم المعمول حيث لا مجال لتقدم العامل كما في قوله تعالى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر فإن اليتيم والسائل مع كونهما منصوبين بالفعلين المجزومين قد تقدما على لا الناهية مع امتناع تقدم الفعلين عليها قال أبو حيان وقد تتبعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر ليس عليها ولا بتقديم معموله إلا ما دل عليه ظاهر هذه الآية الكريمة وقول الشاعر * فيأبى فما يزداد إلا لجاجة * وكنت أبيا في الخنا لست أقدم * «وحاق بهم» أي أحاط بهم «ما كانوا به يستهزؤون» أي العذاب الذي كانوا يستعجلون به استهزاء وفي التعبير عنه بالموصول تهويل لمكانه وإشعار بعلية ما ورد في حيز الصلة من استهزائهم به لنزوله وإحاطته والتعبير عنها بالماضي وارد على عادة الله تعالى في أخباره لأنها في تحققها وتيقنها بمنزلة الكائنة الموجودة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر وتقرير وقوع المخبر به ما لا يخفى «ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة» أي أعطيناه نعمة من صحة وأمن وجدة وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذتها «ثم نزعناها منه» أي
(١٨٩)