والسلام في محل الأمن مع تحقق عدم خوفهم في محل الخوف مسوق لإلجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه الصلاة والسلام لما هو عليه من الأمن وبعدم استحقاقهم لما هم عليه وإنما جئ بصيغة التفضيل المشعرة باستحقاقهم له في الجملة لاستنزالهم عن رتبة المكابرة والاعتساف بسوق الكلام على سنن الانصاف والمراد بالفريقين الفريق الآمن في محل الأمن والفريق الآمن في محل الخوف فإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال فأينا أحق بالأمن أنا أم أنتم لتأكيد الإلجاء إلى الجواب الحق بالتنبيه على علة الحكم والتفادي عن التصريح بتخطئتهم لا لمجرد الاحتراز عن تزكية النفس «إن كنتم تعلمون» المفعول إما محذوف تعويلا على ظهوره بمعونة المقام أي إن كنتم تعملون من أحق بذلك أو قصدا إلى التعميم أي إن كنتم تعلمون شيئا وإما متروك بالمرة أي إن كنتم من أولي العلم وجواب الشرط محذوف أي فأخبروني «الذين آمنوا» استئناف من جهته تعالى للجواب الحق الذي لا محيد عنه أي الفريقين الذين آمنوا «ولم يلبسوا إيمانهم» ذلك أي لم يخلطوه «بظلم» أي بشرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل وأن عبادتهم للأصنام من تتمات إيمانهم وأحكامه لكونها لأجل التقريب والشفاعة كما قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وهذا معنى الخلط «أولئك» إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة وفي الإشارة إليه بعد وصفه بما ذكر إيذان بأنهم تميزوا بذلك عن غيرهم وانتظموا في سلك الأمور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم في الشرف وهو مبتدأ ثان وقوله تعالى «لهم الأمن» جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر وقعت خبرا لأولئك وهو مع خبره للمبتدأ الأول الذي هو الموصول ويجوز أن يكون أولئك بدلا من الموصول أو عطف بيان له خبرا للموصول والأمن فاعلا للظرف لاعتماده على المبتدأ ويجوز أن يكون لهم خبرا مقدما والأمن مبتدأ والجملة خبرا للموصول ويجوز أن يكون أولئك مبتدأ ثانيا ولهم خبره والأمن فاعلا له والجملة خبر للموصول أي أولئك الموصوفين بما ذكر من الإيمان الخالص عو شوب الشرك لهم الأمن فقط «وهم مهتدون» إلى الحق ومن عداهم في ضلال مبين روي أنه لما نزلت الآية شق ذلك على الصحابة رضوان الله علهم وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال عليه الصلاة والسلام ليس ما تظنون إنما هو قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم وليس الإيمان به أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك به وليس من قضية الخلط بقاء الأصل بعد الخلط حقيقة وقيل المراد بالظلم المعصية التي تفسق صاحبها والظاهر هو الأول لوروده مورد الجواب عن حالة الفريقين إشارة إلى ما احتج به إبراهيم عليه السلام من قوله تعالى فلما جن وقيل من قوله أتحاجوني إلى قوله مهتدون وما في اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه والإشعار بعلو طبقته وسمو منزلته
(١٥٦)