تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٩١
الذنوب عطف على يتخذ وتكرير اللام لتذكير التعليل لوقوع الفصل بينهما بالاعتراض وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لإبراز مزيد الاعتناء بشأن التمحيص وهذه الأمور الثلاثة علل للمداولة المعهودة باعتبار كونها على المؤمنين قدمت في الذكر لأنها المحتاجة إلى البيان ولعل تأخير العلة الأخيرة عن الاعتراض لئلا يتوهم اندراج المذنبين في الظالمين أو ليقترن بقوله عز وجل «ويمحق الكافرين» فإن التمحيص فيه محو الآثار وإزالة الأوضار كما أن المحق عبارة عن النقص والإذهاب قال المفضل وهو أن يذهب الشئ بالكلية حتى لا يرى منه شئ ومنه قوله تعالى يمحق الله الربا أي يستأصله وهذه علة للمداولة باعتبار كونها على الكافرين والمراد بهم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر وقد محقهم الله عز وجل جميعا «أم حسبتم» كلام مستأنف سيق لبيان ما هي الغاية القصوى من المداولة والنتيجة لما ذكر من تمييز المخلصين وتمحيصهم واتخاذ الشهداء وإظهار عزة منالها والخطاب للذين انهزموا يوم أحد وأم منقطعة وما فيها من كلمة بل للإضراب عن التسلية ببيان العلل فيما لقوا من الشدة إلى تحقيق أنها من مبادى الفوز بالمطلب الأسنى والهمزة للإنكار والاستبعاد أي بل أحسبتم «أن تدخلوا الجنة» وتفوزوا بنعيمها وقوله تعالى «ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم» حال من ضمير تدخلوا مؤكدة للإنكار فإن رجاء الأجر بغير عمل ممن يعلم أنه منوط به مستبعد عند العقول وعدم العلم كناية عن عدم المعلوم لما بينهما من اللزوم المبنى على لزوم تحقق الأول لتحقق الثاني ضرورة استحالة تحقق شئ بدون علمه تعالى به وإيثارها على التصريح للمبالغة في تحقيق المعنى المراد فإنها إثبات لعدم جهادهم بالبرهان وللإيذان بأن مدار ترتب الجزاء على الأعمال إنما هو علم الله تعالى بها كأنه قيل والحال أنه لم يوجد الذين جاهدوا منكم وإنما وجه النفي إلى الموصوفين مع أن المنفى هو الوصف فقط وكان يكفى أن يقال ولما يعلم الله جهادكم كناية عن معنى ولما تجاهدوا للمبالغة في بيان انتفاء الوصف وعدم تحققه أصلا وفي كلمة لما إيذان بان الجهاد متوقع منهم فيما يستقبل إلا أنه غير معتبر في تأكيد الإنكار وقرئ يعلم بفتح الميم على أن أصله يعلمن فحذفت النون أو على طريقة اتباع الميم لما قبلها في الحركة لإبقاء تفخيم اسم الله تعالى ومنكم حال من الذين «ويعلم الصابرين» منصوب بإضمار أن على أن الواو للجمع كما في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن والمعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر أي الجمع بينهما وإيثار اسم الفاعل على الموصول للدلالة على أن المعتبر هو الاستمرار على الصبر وللمحافظة على الفواصل وقيل مجزوم معطوف على المجزوم قبله قد حرك لالتقاء الساكنين بالفتح للخفة والاتباع كما مر ويؤيده القراءة بالكسر على ما هو الأصل في تحريك الساكن وقرئ يعلم بالرفع على ان الواو للحال وصاحبها الموصول والمبتدأ محذوف أي وهو يعلم الصابرين كأنه قيل ولما تجاهدوا وأنتم صابرون
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254