بين الحال وصاحبها لتقرير الاستغفار والحث عليه والإشعار بالوعد بالقبول «ولم يصروا» عطف على فاستغفروا وتأخيره عنه مع تقدم عدم الإصرار على الاستغفار رتبة لإظهار الاعتناء بشأن الاستغفار واستحقاقه للمسارعة إليه عقيب ذكره تعالى أو حال من فاعله أي ولم يقيموا أو غير مقيمين «على ما فعلوا» أي ما فعلوه من الذنوب فاحشة كانت أو ظلما أو على فعلهم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة وأنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار «وهم يعلمون» حال من فاعل يصروا أي لم يصيروا على ما فعلوا وهم عالمون بقبحه والنهي عنه والوعيد عليه والتقييد بذلك لما أنه قد يعذر من لا يعلم ذلك إذا لم يكن عن تقصير في تحصيل العلم به «أولئك» إشارة إلى المذكورين آخرا باعتبار اتصافهم بما مر من الصفات الحميدة وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلتهم وعلو طبقتهم في الفضل وهو مبتدأ وقوله تعالى «جزاؤهم» بدل اشتمال منه وقوله تعالى «مغفرة» خبر له أو جزاؤهم مبتدأ ثان ومغفرة خبر له والجملة خبر لأولئك وهذه الجملة خبر لقوله تعالى والذين إذا فعلوا الخ على الوجه الأول وهو الأظهر الأنسب بنظم المغفرة المنبئة عن سابقة الذنب في سلك الجزاء إذ على الوجهين الأخريين يكون قوله تعالى أولئك الخ جملة مستأنفة مبينة لما قبلها كاشفة عن حال كلا الفريقين المحسنين والتائبين ولم يذكر من أوصاف الأولين ما فيه شائبة الذنب حتى يذكر في مطلع الجزاء الشامل لها المغفرة وتخصيص الإشارة بالآخرين مع اشتراكهما في حكم إعداد الجنة لهما تعسف ظاهر «من ربهم» متعلق بمحذوف وقع صفة لمغفرة مؤكدة لما إفادة التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي كائنة من جهته تعالى والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة الحكم والتشريف «وجنات تجري من تحتها الأنهار» عطف على مغفرة والتنكر المشعر بكونها أدنى من الجنة مما يؤيد رجحان الوجه الأول «خالدين فيها» حال مقدرة من الضمير في جزاؤهم لأنه مفعول به في المعنى لأنه في قوة يجزيهم الله جنات خالدين فيها ولا مساغ لأن يكون حالا من جنات في اللفظ وهي لأصحابها في المعنى إذ لو كان كذلك لبرز الضمير «ونعم أجر العاملين» المخصوص بالمدح محذوف أي ونعم أجر العاملين ذلك أي ما ذكر من المغفرة والجنات والتعبير عنهما بالأجر المشعر بأنهما يستحقان بمقابلة العمل وإن كان بطريق التفضل لمزيد الترغيب في الطاعات والزجر عن المعاصي والجملة تذييل مختص بالتائبين حسب اختصاص التذييل السابق بالأولين وناهيك مضمونها دليلا على ما بين الفريقين من التفاوت النير والتباين البين شتان بين المحسنين الفائزين بمحبة الله عز وجل وبين العاملين الحائزين لأجرتهم وعمالتهم «قد خلت من قبلكم سنن» رجوع إلى تفصيل بقية القصة بعد تمهيد مبادئ الرشد والصلاح وترتيب مقدمات الفوز والفلاح
(٨٧)