الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٢٥
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه قالت عائشة فاقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب وانا أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل فدنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه واقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت اركب وهم يحسبون أنى فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم انما تأكل المرأة العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الحمل فساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فيممت منزلي الذي كنت به فظننت انهم سيفقدوني فيرجعون إلى فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد انسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة واحدة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد أن نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك في من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهر أو الناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشئ من ذلك وهو يريبني في وجعي أنى لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي انما يدخل على فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهي متبرزنا وكنا لا نخرج الا ليلا إلى ليل وذلك قبل ان نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف ان نتخذها عند بيوتنا فانطلقت انا وأم مسطح فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد أشرعنا من ثيابنا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال قلت وما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضى فلما رجعت إلى بيتي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال كيف تيكم فقلت أتأذن لي ان آتي أبوى قالت وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت لأبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت أبكى ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله فاما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من لود فقال يا رسول الله أهلك ولا نعلم الا خيرا وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وان تسأل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت شيئا يريبك قالت بريرة لا والذي بعثك بالحق ان رأيت عليها أمرا أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي فقال وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي الا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه الا خيرا وما كان يدخل على أهلي الا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه ان كان من الأوس ضربت عنقه وان كان من إخواننا من بنى الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد كذبت لعمر الله ما تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال أسعد بن عبادة كذبت لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست