الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ١٢٨
شيئا من الأرضين * وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال لما كان العرش على الماء قبل ان يخلق الله السماوات والأرض بعث الله تعالى ريحا هفافة فصفقت الريح الماء فأبرزت عن حشفة في موضع البيت كأنها قبة فدحا الله تعالى الأرض من تحتها فمادت ثم مادت فأوتدها الله بالجبال فكان أول جبل وضع فيها أبو قبيس فلذلك سميت أم القرى * وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال كان البيت على أربعة أركان في الماء قبل ان يخلق السماوات والأرض فدحيت الأرض من تحته * وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال دحيت الأرض من تحت الكعبة * وأخرج الأزرقي عن علي بن الحسين ان رجلا سأله ما بدء هذا الطواف بهذا البيت لم كان وأنى كان وحيث كان فقال اما بدء هذا الطواف بهذا البيت فان الله تعالى قال للملائكة انى جاعل في الأرض خليفة فقالت رب أي خليفة من غيرنا ممن يفسد فيها ويسفك الدماء ويتحاسدون ويتباغضون أي رب اجعل ذلك الخليفة منا فنحن لا نفسد فيها ولا نسفك الدماء ولا نتباغض ولا نتحاسد ولا نتباغى ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ونطيعك ولا نعصيك قال الله تعالى انى أعلم مالا تعلمون قال فظنت الملائكة ان ما قالوا رد على ربهم عز وجل وانه قد غضب عليهم من قولهم فلاذوا بالعرش ورفعوا رؤسهم وأشاروا بالأصابع يتضرعون ويبكون اشفاقا لغضبه فطافوا بالعرش ثلاث ساعات فنظر الله إليهم فنزلت الرحمة عليهم فوضع الله سبحانه تحت العرش بيتا على أربع أساطين من زبرجد وغشاهن بياقوتة حمراء وسمى البيت الضراح ثم قال الله للملائكة طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش فطافت الملائكة بالبيت وتركوا العرش فصار أهون عليهم وهو البيت المعمور الذي ذكره الله يدخله كل يوم وليلة سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا ثم إن الله تعالى بعث ملائكته فقال ابنوا لي بيتا في الأرض بمثاله وقدره فامر الله سبحانه من في الأرض من خلقه ان يطوفوا بهذا البيت كما تطوف أهل السماء بالبيت المعمور * وأخرج الأزرقي عن ليث بن معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا البيت خامس خمسة عشر بيتا سبعة منها في السماء وسبعة منها إلى تخوم الأرض السفلى وأعلاها الذي يلي العرش البيت المعمور لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض إلى تخوم الأرض السفلى ولكل بيت من أهل السماء ومن أهل الأرض من يعمره كما يعمر هذا البيت * وأخرج الأزرقي عن عمرو بن يسار المكي قال فبلغني ان الله إذا أراد أن يبعث ملكا من الملائكة لبعض أموره في الأرض استأذنه ذلك الملك في الطواف ببيته فهبط الملك مهلا * وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن وهب بن منبه قال لما تاب الله على آدم أمره أن يسير إلى مكة فطوى له المفاوز والأرض فصار كل مفازة يمر بها خطوة وقبض له ما كان فيها من مخاض أو بحر فجعله له خطوة فلم يضع قدمه في شئ من الأرض الا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة فكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان به من عظم المصيبة حتى أن كانت الملائكة لتبكى لبكائه وتحزن لحزنه فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب فيها نور يلتهب من نور الجنة ونزل معها يومئذ الركن وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه فلما صار آدم بمكة حرسه الله وحرس له تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض وساكنها يومئذ الجن والشياطين ولا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شئ من الجنة لأنه من نظر إلى شئ من الجنة وجبت له والأرض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ولم يعمل فيها بالخطايا فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستدبرين بالحرم كله من خلفهم والحرم كله من امامهم ولا يجوزهم جنى ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ووضعت اعلامه حيث كان مقام الملائكة وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة فلم تنظر إلى شئ من ذلك حتى قبضت وان آدم كان إذا أراد لقاءها ليلة ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم ورفعها الله إليه وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانها بيتا بالطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنفسه الغرق وخفى مكانه فلما بعث الله إبراهيم خليله طلب
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست