الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ١٢٦
السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته انا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشئ قالت نعم أمرني ان اقرئ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبى وأمرني ان أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغى لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة الا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته انا بخير قال أما وصاك بشئ قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك ان تثبت عتبة بابك قال ذاك أبى وأنت العتبة فأمرني ان أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال يا إسماعيل ان الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك قال وتعينني قال وأعينك قال فان الله أمرني ان أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبنى حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبنى وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل ما انك أنت السميع العليم قال معمر وسمعت رجلا يقول كان إبراهيم يأتيهم على البراق قال معمر وسمعت رجلا يذكر انهما حين التقيا بكيا حتى أجابتهما الطير * وأخرج ابن سعد في الطبقات عن أبي جهم بن حذيفة بن غانم أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم يأمره بالمسير إلى بلده الحرام فركب إبراهيم البراق وجعل إسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وهاجر خلفه ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت حتى قدم به مكة فأنزل إسماعيل وأمه إلى جانب البيت ثم انصرف إبراهيم إلى الشام ثم أوحى الله إلى إبراهيم ان يبنى البيت وهو يومئذ ابن مائة سنة وإسماعيل يومئذ ابن ثلاثين سنة فبناه معه وتوفى إسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر وولى ثابت بن إسماعيل البيت بعد أبيه مع أخواله جرهم * وأخرج الديلمي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآية قال جاءت سحابه على تربيع البيت لها رأس تتكلم ارتفاع البيت على تربيعي فرفعاه على تربيعها * وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد والحرث بن أبي أسامة وابن جرير وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب ان رجلا قال له الا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في الأرض قال لا ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ثم حدث ان إبراهيم لما أمر ببناء البيت ضاق به ذرعا فلم يدر كيف يبنيه فأرسل الله إليه السكينة وهي ريح خجوج ولها رأسان فتطوقت له على موضع البيت وأمر إبراهيم ان يبني حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل اذهب فالتمس لي حجرا أضعه ههنا فذهب إسماعيل يطوف في الجبال فنزل جبريل بالحجر فوضعه فجاء إسماعيل فقال من أين هذا الحجر قال جاء به من لم يتكل على بنائي ولا بنائك فلبث ما شاء الله ان يلبث ثم انهدم فبنته العمالقة ثم انهدم فبنته جرهم ثم انهدم فبنته قريش فلما أرادوا ان يضعوا الحجر تشاحوا في وضعه فقالوا أول من يخرج من هذا الباب فهو يضعه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل باب بنى شيبة فامر بثوب فبسط فاخذ الحجر فوضعه في وسطه وأمر من كل فخذ من أفخاذ قريش رجلا يأخذ بناحية الثوب فرفعوه فاخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوضعه في موضعه * وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والأزرقي والحاكم من طريق سعيد بن المسيب عن علي قال أقبل إبراهيم من أرمينية ومعه السكينة تدله على موضع البيت كما تبنى العنكبوت بيتها فحفر من تحت السكينة فأبدى عن قواعد البيت ما يحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا قلت يا أبا محمد فان الله يقول وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت قال كان ذلك بعد * وأخرج عبد الرزاق وابن جرير
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست