إن الأنبياء المذكورين على اليهودية والنصرانية، كذبوا، لأنه قد علم أن هذين الدينين حدثا بعدهم، وإن قالوا: لم يكونوا على اليهودية والنصرانية، قيل لهم: فهلموا إلى دينهم، إذ تقرون بالحق.
وقوله تعالى: (قل أأنتم أعلم أم الله) تقرير على فساد دعواهم، إذ لا جواب لمفطور إلا أن الله تعالى أعلم، (ومن أظلم ممن كتم شهادة)، أي: لا أحد أظلم منه، وإياهم أراد تعالى بكتمان الشهادة، قال مجاهد وغيره: فالذي كتموه هو ما كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية، لا على ما ادعوه، وقال قتادة وغيره: هو ما عندهم من الأمر بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم والأول أشبه بسياق الآية، " ومن " متعلقة ب " عنده "، ويحتمل أن تتعلق ب " كتم ".
(وما الله بغافل...) الآية: فيه وعيد وإعلام، أنه لا يترك أمرهم سدى، والغافل:
الذي لا يفطن للأمور إهمالا منه، مأخوذ من الأرض الغفل، وهي التي لا معلم بها.
وقوله تعالى، (تلك أمة...) الآية: كررها عن قرب، لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف، ولترداد ذكرهم أيضا في معنى غير الأول.
(سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم (142) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم (143)) قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس...) الآية: اختلف في تعيين هؤلاء السفهاء، فقال ابن عباس: هم الأحبار، وذلك أنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، ما ولاك عن قبلتنا، ارجع إليها، ونؤمن بك، يريدون فتنته، وقيل: اليهود والمنافقون، وقالت فرقة: هم كفار قريش.