قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية، ومدنية، وشروح، وتفاسير، وتعاليم، وروايات كانت تتناقل وتدرس شفهيا من حين إلى آخر... وقد اتسع نطاق الدرس والتعليم فيه إلى درجة عظيمة جدا، حتى صار من الصعب حفظه في الذاكرة، ولأجل دوام المطالعة، والمداولة، وحفظا للأقوال والنصوص، والآراء الأصلية المتعددة والترتيبات، والعادات الحديثة، وخوفا من نسيانها وفقدانها، مع مرور الزمن، وخصوصا وقت الاضطهادات، والاضطرابات، قد دونها الحاخامون بالكتابة سياجا للتوراة، وقبلت كسنة من سيدنا موسى عليه السلام -.
ومن التوراة وشروحها، والأسفار وما اشتملت عليه، والتلمود وشروحه، والأساطير والخرافات، والأباطيل التي افتروها، أو تناقلوها عن غيرهم: كانت معارف اليهود وثقافتهم، وهذه كلها كانت المنابع الأصلية للإسرائيليات التي زخرت بها بعض كتب التفسير، والتاريخ والقصص والمواعظ، وهذه المنابع إن كان فيها حق، ففيها باطل كثير، وإن كان فيها صدق، ففيها كذب صراح، وإن كان فيها سمين ففيها غث كثير، فمن ثم انجر ذلك إلى الإسرائيليات، وقد يتوسع بعض الباحثين في الإسرائيليات، فيجعلها شاملة لما كان من معارف اليهود، وما كان من معارف النصارى التي تدور حول الأناجيل وشروحها، والرسل و سيرهم، ونحو ذلك، وإنما سميت إسرائيليات، لأن الغالب والكثير منها إنما هو من ثقافة بني إسرائيل، أو من كتبهم ومعارفهم، أو من أساطيرهم وأباطيلهم.
والحق: أن ما في كتب التفسير من المسيحيات، أو من النصرانيات هو شئ قليل بالنسبة إلى ما فيها من الإسرائيليات، ولا يكاد يذكر بجانبها، وليس لها من الآثار السيئة ما للإسرائيليات، إذ معظمها في الأخلاق، والمواعظ، وتهذيب النفوس، وترقيق القلوب (1).
والملاحظ أن الثعالبي - رحمه الله - كغيره من التفاسير - ذكر بعض الإسرائيليات، ولكنه يعقب ما يذكره بما يفيد عدم صحته، أو على الأقل بما يفيد عدم القطع بصحته.
ومن ذلك في قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون) (الأعراف: 190).
فالثعالبي يقول:... وروي في قصص ذلك أن الشيطان أشار على حواء أن تسمي هذا المولود عبد الحارث، وهو اسم إبليس، وقال لها: إن لم تفعل قتله، فزعموا أنهما