وهذا يؤيد مذهب الشافعي، ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط.
ومنها: الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين، كقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) (البقرة: 222) قرئ بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة " يطهرن "، ولا ريب أن صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض، لان زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أما قراءة التخفيف، فلا تفيد هذه المبالغة، ومجموع القراءتين يحكم بأمرين: أحدهما: أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر، وذلك بانقطاع الحيض. وثانيهما: أنها لا يقربها زوجها أيضا إلا إن بالغت في الطهر، وذلك بالاغتسال، فلا بد من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء، وهو مذهب الشافعي، ومن وافقه أيضا.
ومنها: الدلالة على حكمين شرعيين، ولكن في حالين مختلفين، كقوله تعالى في بيان الوضوء: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (المائدة: 6) قرىء بنصب لفظ " أرجلكم "، وبجرها، فالنصب يفيد طلب غسلها، لأن العطف حينئذ يكون على لفظ " وجوهكم " المنصوب، وهو مغسول، والجر يفيد طلب مسحها، لأن العطب حينئذ يكون على لفظ " رءوسكم " المجرور، وهو ممسوح.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم: أن المسح يكون للابس الخف، وأن الغسل يجب على من لم يلبس الخف.
ومنها: دفع توهم ما ليس مرادا: كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) (الجمعة: 9) وقرئ: " فامضوا إلى ذكر الله "، فالقراءة الأولى يتوهم منها وجوب السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة، ولكن القراءة الثانية رفعت هذا التوهم، لأن المضي ليس من مدلوله السرعة، ومنها: بيان لفظ مبهم على البعض: نحو قوله تعالى: (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) (القارعة 5) وقرئ: " كالصوف المنفوش "، فبنيت القراءة الثانية أن العهن هو الصوف.
ومنها: تجلية عقيدة ضل فيها بعض الناس: نحو قوله تعالى في وصفه الجنة وأهلها:
(وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) (الإنسان: 20) جاءت القراءة بضم الميم، وسكون اللام في لفظ: " وملكا كبيرا "، وجاءت قراءة أخرى بفتح الميم، وكسر اللام في هذا اللفظ نفسه، فرفعت هذه القراءة الثانية نقاب الخفاء عن وجه الحق في عقيدة رؤية