حديث حسن صحيح. فإن قيل: فماذا يغفر للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤمر بالاستغفار؟
قيل له: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: [رب اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي خطئي وعمدي، وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، أنت المقدم وأنت المؤخر، إنك على شئ قدير]. فكان صلى الله عليه وسلم يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا. ويحتمل أن يكون بمعنى: كن متعلقا به، سائلا راغبا، متضرعا على رؤية التقصير في أداء الحقوق، لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال. وقيل: الاستغفار تعبد يجب إتيانه، لا للمغفرة، بل تعبدا. وقيل: ذلك تنبيه لامته، لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار. وقيل: " وأستغفره " أي استغفر لأمتك.
(إنه كان توابا): أي على المسبحين والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم، ويقبل توبتهم.
وإذا كان عليه السلام وهو معصوم يؤمر بالاستغفار، فما الظن بغيره؟ روى مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: [سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه]. قالت: فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول (سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه؟ فقال: (خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: " إذا جاء نصر الله والفتح " - فتح مكة - " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا "). وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزلت " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " (1) [المائدة: 3] فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوما. ثم نزلت آية الكلالة (2)، فعاش بعدها خمسين يوما. ثم نزل " لقد جاءكم رسول من أنفسكم " (3) [التوبة: 128] فعاش بعدها خمسه وثلاثين يوما. ثم نزل " واتقوا يوما ترجعون فيه (4) إلى الله " فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. وقال مقاتل سبعة أيام. وقيل غير هذا مما تقدم في " البقرة " بيانه (5)، والحمد الله.