الرابعة - لما وكلت أمرها إلى الله وصح تفويضها إليه تولى الله إنكاحها، ولذلك قال: " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ". وروى الإمام جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم " وطرا زوجتكها ". ولما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن، ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق، ولا شئ مما يكون شرطا في حقوقنا (1) ومشروعا لنا. وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين. ولهذا كانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله تعالى.
أخرجه النسائي عن أنس بن مالك قال: كانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول: إن الله عز وجل أنكحني من السماء. وفيها نزلت أية الحجاب، وسيأتي.
الخامسة - المنعم عليه في هذه الآية هو زيد بن حارثة، كما بيناه، وقد تقدم خبره في أول السورة (2). وروي أن عمه لقيه يوما وكان قد ورد مكة في شغل له، فقال: ما أسمك يا غلام؟ قال: زيد، قال: أبن من؟ قال: أبن حارثة. قال أبن من؟ قال: أبن شراحيل الكلبي. قال: فما اسم أمك؟ قال: سعدى، وكنت في أخوالي طي، فضمه إلى صدره. وأرسل إلى أخيه وقومه فحضروا، وأرادوا منه أن يقيم معهم، فقالوا: لمن أنت؟ قال: لمحمد ابن عبد الله، فأتوه وقالوا: هذا ابننا فرده علينا. فقال: (أعرض عليه فإن اختاركم فخذوا بيده) فبعث إلى زيد وقال: (هل تعرف هؤلاء)؟ قال نعم! هذا أبي، وهذا أخي، وهذا عمي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (فأي صاحب كنت لك)؟ فبكى وقال:
لم سألتني عن ذلك؟ قال: (أخيرك فإن أحببت أن تلحق بهم فألحق وإن أردت أن تقيم فأنا من قد عرفت) فقال: ما أختار عليك أحدا. فجذبه عمه وقال: زيد، اخترت العبودية على أبيك وعمك! فقال: أي والله العبودية عند محمد أحب إلي من أن أكون عندكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشهدوا أني وارث وموروث). فلم يزل يقال: زيد بن محمد إلى أن نزل قوله تعالى: " ادعوهم لآبائهم " [الأحزاب: 5] ونزل " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم " [الأحزاب: 40].