قوله تعالى: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قال العلماء: لما أختار نساء النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم شكرهن الله على ذلك فقال تكرمة لهن: " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج " (1) [الأحزاب: 52] الآية. وبين حكمهن عن غيرهن فقال: " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " (1) [الأحزاب: 53]. وجعل ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما لغيرهن فقال: " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بفاحشة - والله عاصم رسوله عليه السلام من ذلك كما مر في حديث الإفك (2) - يضاعف لها العذاب ضعفين، لشرف منزلتهن وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء أجمع. وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع حسبما تقدم بيانه غير مرة - أنه كلما تضاعفت الحرمات فهتكت تضاعفت العقوبات، ولذلك ضوعف حد الحر على العبد والثيب على البكر. وقيل: لما كان أزوج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه، قوي الامر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن، فضوعف لهن الاجر والعذاب. وقيل، إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " (1) [الأحزاب: 57]. واختار هذا القول الكيا الطبري.
الثانية - قال قوم: لو قدر الزنى من واحدة منهن - وقد أعاذهن الله من ذلك - لكانت تحد حدين لعظم قدرها، كما يزاد حد الحرة على الأمة. والعذاب بمعنى الحد، قال الله تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة (2) من (3) المؤمنين " [النور: 2]. وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرتين،. وقال أبو عبيدة: ضعف الشئ شيئان حتى يكون ثلاثة. وقاله أبو عمرو فيما