الثالثة - قوله تعالى: (إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها) " إن " شرط، وجوابه " فتعالين "، فعلق التخيير على شرط. وهذا يدل على أن التخيير والطلاق المعلقين على شرط صحيحان، فينفذان ويمضيان، خلافا للجهال المبتدعة الذين يزعمون أن الرجل إذا قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار، أنه لا يقع الطلاق إن دخلت الدار، لان الطلاق الشرعي هو المنجز في الحال لا غير.
الرابعة - قوله تعالى: (فتعالين) هو جواب الشرط، وهو فعل جماعة النساء، من قولك تعالى، وهو دعاء إلى الاقبال إليه يقال: تعال بمعنى أقبل، وضع لمن له جلالة ورفعة، ثم صار في الاستعمال لكل داع إلى الاقبال، وأما في هذا الموضع فهو على أصله، فإن الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمتعكن) قد تقدم الكلام في المتعة في (البقرة) (1). وقرئ " أمتعكن " بضم العين. وكذا (وأسرحكن) بضم الحاء على الاستئناف.
والسراح الجميل: هو أن يكون طلاقا للسنة من غير ضرار ولا منع واجب لها.
الخامسة - اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على قولين:
الأول - أنه خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق، فاخترن البقاء، قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي وأبن شهاب وربيعة. ومنهن من قال: إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن، وبين الآخرة فيمسكهن، لتكون لهن المنزلة العليا كما كانت لزوجهن، ولم يخيرهن في الطلاق، ذكره الحسن وقتادة. ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال لم يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة.
قلت: القول الأول أصح، لقول عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته فقالت: قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا! في رواية: فاخترناه فلم يعده طلاقا ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق، لذلك قال: (يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تستأمري