ابن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنهم يعبدون الملائكة. والذي تحصل من مذهبهم - فيما ذكره بعض علمائنا - أنهم موحدون معتقدون تأثير النجوم وأنها فعالة، ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري القادر بالله بكفرهم حين سأله عنهم.
السادسة - قوله تعالى: (من آمن) أي صدق. و " من " في قوله: " من آمن " في موضع نصب بدل من " الذين ". والفاء في قوله " فلهم " داخلة بسبب الابهام الذي في " من ". و " لهم أجرهم " ابتداء وخبر في موضع خبر إن. ويحسن أن يكون " من " في موضع رفع بالابتداء، ومعناها الشرط. و " آمن " في موضع جزم بالشرط، والفاء الجواب. و " لهم أجرهم " خبر " من "، والجملة كلها خبر " إن "، والعائد على " الذين " محذوف، تقديره من آمن منهم بالله. وفي الايمان بالله واليوم الآخر اندارج الايمان بالرسل والكتب والبعث.
السابعة - إن قال قائل: لم جمع الضمير في قول تعالى: " لهم أجرهم " و " آمن " لفظ مفرد ليس بجمع، وإنما كان يستقيم لو قال: له أجره. فالجواب أن " من " يقع على الواحد والتثنية والجمع، فجائز أن يرجع الضمير مفردا ومثنى ومجموعا، قال الله تعالى: " ومنهم من يستمعون إليك " [يونس: 42] على المعنى. وقال: " ومنهم من يستمع إليك " على اللفظ. وقال الشاعر:
ألما بسلمى عنكما إن عرضتما * وقولا لها عوجي على من تخلفوا وقال الفرزدق:
تعال فإن عاهدتني لا تخونني * نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فحمل على المعنى ولو حمل على اللفظ لقال: يصطحب وتخلف. وقال تعالى: " ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات " فحمل على اللفظ. ثم قال: " خالدين " فحمل على المعنى، ولو راعى اللفظ لقال: خالدا فيها. وإذا جرى ما بعد " من " على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى كما في هذه الآية. وإذا جرى ما بعدها على المعنى لم يجز أن يخالف به بعد على اللفظ لان الالباس يدخل في الكلام. وقد مضى الكلام في قوله تعالى:
(فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (1). والحمد لله.