قوله تعالى: (إنكم ظلمتم أنفسكم) استغنى بالجمع القليل عن الكثير والكثير نفوس وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القلة والقليل موضع الكثرة قال الله تعالى " ثلاثة قروء " " البقرة: 228] وقال " وفيها ما تشتهيه الأنفس " [الزخرف: 71]. ويقال لكل من فعل فعلا يعود عليه ضرره:
إنما أسأت إلى نفسك. وأصل الظلم وضع الشئ في غير موضعه. ثم قال تعالى: (باتخاذكم العجل) قال بعض أرباب المعاني عجل كل إنسان نفسه فمن أسقطه وخالف مراده فقد برئ من ظلمه. والصحيح أنه هنا عجل على الحقيقة عبدوه كما نطق به التنزيل والحمد لله قوله تعالى: (فتوبوا إلى بارئكم) لما قال لهم: فتوبوا إلى بارئكم قالوا:
كيف؟ قال " فاقتلوا أنفسكم " قال أرباب الخواطر: ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات. والصحيح أنه قل على الحقيقة هنا. والقتل: إماتة الحركة. وقتلت الخمر:
كسرت شدتها بالماء. قال سفيان بن عيينة: التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم وكانت توبة بني إسرائيل القتل. وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده قال الزهري لما قيل لهم " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم " قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم كفوا فكان ذلك شهادة للمقتول وتوبة للحي على ما تقدم وقال بعض المفسرين أرسل الله عليهم ظلاما ففعلوا ذلك وقيل وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقيل: قام السبعون الذين كانوا مع موسى فقتلوا إذ لم يعبدوا العجل من عبد العجل. ويروى أن يوشع بن نون خرج عليهم وهم محتبون فقال ملعون من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو أتقاه بيد أو رجل فما حل أحد منهم حبوته حتى قتل منهم يعنى من قتل وأقبل الرجل يقتل من يليه. ذكره النحاس وغيره. وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل أنفسهم على القول الأول لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوه وإنما اعتزلوا وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده. وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ولم يغير عوقب الجميع. روى جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من قوم يعمل فيهم