وورمت بطونهم فتابوا ولم تقبل توبتهم دون أن يقتلوا أنفسهم فذلك قوله تعالى:
" فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم " [البقرة: 54] فقاموا بالخناجر والسيوف بعضهم إلى بعض من لدن طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى فقتل بعضهم بعضا لا يسأل والد عن ولده ولا ولد عن والده ولا أخ عن أخيه ولا أحد عن أحد كل من أستقبله ضربه بالسيف وضربه الآخر بمثله حتى عج موسى إلى الله صارخا: يا رباه قد فنيت بنو إسرائيل! فرحمهم الله وجاد عليهم بفضله فقبل توبة من بقي وجعل من قتل في الشهداء على ما يأتي.
الرابعة - إن قيل لم خص الليالي بالذكر دون الأيام؟ قيل له: لان الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة ولذلك وقع بها التاريخ فالليالي أول الشهور والأيام تبع لها.
الخامسة - قال النقاش: في هذه الآية إشارة إلى صلة الصوم لأنه تعالى لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين يوما بلياليها. قال ابن عطية: سمعت أبي يقول:
سمعت الشيخ الزاهد الامام الواعظ أبا الفضل الجوهري رحمه الله يعظ الناس في الخلوة بالله والدنو منه في الصلاة ونحوه وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول أين حال موسى في القرب من الله! ووصال ثمانين من الدهر من قول حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم " آتنا غداءنا " [الكهف: 62].
قلت: وبهذا أستدل علماء الصوفية على الوصال وأن أفضله أربعون يوما. وسيأتي الكلام في الوصال في أي الصيام (1) من هذه السورة إن شاء الله تعالى. ويأتي في " الأعراف " (2) زيادة أحكام لهذه الآية عند قوله تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة " [الأعراف: 142] ويأتي لقصة العجل ببان في كيفيته وخواره وفي " طه " (3) إن شاء الله تعالى.
السادسة - قوله تعالى: (ثم أتخذتم العجل من بعده) أي اتخذتموه إلها من بعد موسى. وأصل اتخذتم ائتخذتم من الاخذ ووزنه افتعلتم سهلت الهمزة الثانية لامتناع همزتين فجاء ايتخذتم فاضطربت الياء في التصريف جاءت ألفا في ياتخذ وواوا في موتخذ