السادسة - من فضل الصبر وصف الله تعالى نفسه به كما في حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس أحد أو ليس شئ أصبر على أذى سمعه من الله تعالى إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم) أخرجه البخاري. قال علماؤنا:
وصف الله تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحلم ومعنى وصفه تعالى بالحلم هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها ووصفه تعالى بالصبر لم يرد في التنزيل وانما ورد في حديث أبي موسى وتأوله أهل السنة على تأويل الحلم قاله ابن فورك وغيره. وجاء في أسمائه " الصبور " للمبالغة في الحلم عمن عصاه.
السابعة - قوله تعالى: (وإنها لكبيرة) اختلف المتأولون في عود الضمير من قوله:
" وإنها "، فقيل: على الصلاة وحدها خاصة لأنها تكبر على النفوس ما لا يكبر الصوم والصبر هنا: الصوم فالصلاة فيها سجن النفوس والصوم إنما فيه منع الشهوة فليس من منع شهوة واحدة أو شهوتين كمن منع جميع الشهوات. فالصائم إنما منع شهوة النساء والطعام والشراب ثم ينبسط في سائر الشهوات من الكلام والمشي والنظر إلى غير ذلك من ملاقاة الخلق فيتسلى بتلك الأشياء عما منع. والمصلى يمتنع من جميع ذلك فجوارحه كلها مقيدة بالصلاة عن جميع الشهوات. وإذا كان ذلك كانت الصلاة أصعب على النفس ومكابدتها أشد فلذلك قال " وإنها لكبيرة " وقيل: عليهما ولكنه كنى عن الأغلب وهو الصلاة كقوله " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " (1) [التوبة: 34] وقوله: " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها " (2) [الجمعة: 11] فرد الكناية إلى الفضة لأنها الأغلب والأعم وإلى التجارة لأنها الأفضل والاهم وقيل: إن الصبر لما كان داخل في الصلاة أعاد عليها كما قال " والله ورسوله أحق أن يرضوه " (3) [التوبة: 62] ولم يقل: يرضوهما لان رضا الرسول داخل في رضا الله عز وجل ومنه قول الشاعر (4):
إن شرخ الشباب والشعر الأسود * ما لم يعاص كان جنونا