ابن عباس نعي له أخوه قثم - وقيل بنت له - وهو في سفر فاسترجع وقال: عورة سترها الله، ومؤنة كفاها الله، وأجر ساقه الله. ثم تنحى عن الطريق وصلى ثم أنصرف إلى راحلته وهو يقرأ: " واستعينوا بالصبر والصلاة ") فالصلاة على هذا التأويل هي الشرعية.
وقال قوم: هي الدعاء على عرفها في اللغة فتكون الآية على هذا التأويل مشبهة لقوله تعالى " إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله " [الأنفال 45] لان الثبات هو الصبر والذكر هو الدعاء وقول ثالث قال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصوم ومنه قيل لرمضان شهر الصبر فجاء الصوم والصلاة على هذا القول في الآية متناسبا في أن الصيام يمنع من الشهوات ويزهد في الدنيا والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر الآخرة والله أعلم.
الرابعة - الصبر على الأذى والطاعات من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها من تطاولها وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين قال يحيى بن اليمان الصبر ألا تتمنى حالة سوى ما رزقك الله والرضا بما قضى الله من أمر دنياك وآخرتك. وقال الشعبي قال علي رضي الله عنه الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد قال الطبري وصدق علي رضي الله عنه وذلك أن الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن لم يصبر على العمل بجوارحه لم يستحق الايمان بالاطلاق. فالصبر على العمل بالشرائع نظير الرأس من الجسد للانسان الذي لا تمام له إلا به.
الخامسة - وصف الله تعالى جزاء الأعمال وجعل لها نهاية وحدا فقال " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " (1) [الانعام 160] وجعل جزاء الصدقة في سبيل الله فوق هذا فقال " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة " (2) [البقرة: 261] الآية. وجعل أجر الصابرين بغير حساب ومدح أهله فقال " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " [الزمر: 10] وقال " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " (3) [الشورى: 43] وقد قيل: أن المراد بالصابرين في قوله " إنما يوفى الصابرون " [الزمر: 10] أي الصائمون لقوله تعالى في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(الصيام لي وأنا أجزى به) فلم يذكر ثوابا مقدرا كما لم يذكره في الصبر. والله أعلم.