الثالثة - لم يكن إخراج الله تعالى آدم من الجنة وإهباطه منها عقوبة له لأنه أهبطه بعد أن تاب عليه وقبل توبته وإنما أهبطه إما تأديبا وإما تغليظا للمحنة. والصحيح في إهباطه وسكناه في الأرض ما قد ظهر من الحكمة الأزلية في ذلك وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم الأخروي إذ الجنة والنار ليستا بدار تكليف فكانت تلك الاكلة سبب إهباطه من الجنة. ولله أن يفعل ما يشاء. وقد قال " إني جاعل في الأرض خليفة ". وهذه منقبة عظيمة وفضيلة كريمة شريفة وقد تقدمت الإشارة إليها مع أنه خلق من الأرض. وإنما قلنا إنما أهبطه بعد أن تاب عليه لقوله ثانية:
" قلنا أهبطوا " وسيأتي (1).
الرابعة - قوله تعالى: (ولكم في الأرض مستقر) ابتداء وخبر، أي موضع استقرار. قاله أبو العالية وابن زيد. وقال السدي: " مستقر " يعني القبور.
قلت: وقول الله تعالى: " جعل لكم الأرض (2) قرارا " [غافر: 64] يحتمل المعنيين. والله أعلم.
الخامسة - قوله تعالى: (ومتاع) المتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة وحديث وأنس وغير ذلك، ومنه سميت متعة النكاح لأنها يتمتع بها. وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه:
وقفت على قبر غريب بقفرة * متاع قليل من حبيب مفارق السادسة - قوله تعالى: (إلى حين) اختلف المتأولون في الحين على أقوال، فقالت فرقة إلى الموت وهذا قول من يقول: المستقر هو المقام في الدنيا. وقيل: إلى قيام الساعة، وهذا قول من يقول: المستقر هو القبور وقال الربيع: " إلى حين " إلى أجل والحين: الوقت البعيد فحينئذ تبعيد من قولك الآن قال خويلد:
كأبي (3) الرماد عظيم القدر جفنته * حين الشتاء كحوض المنهل اللقف لقف الحوض لقفا، أي تهور من أسفله واتسع. وربما أدخلوا عليه التاء قال أبو وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف * والمطعمون زمان أين المطعم