مالك وأصحابه: إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها، فحمل القول على اللفظ دون المعنى.
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين، قال في الكتاب: يحنث، لأنها هكذا تؤكل. وقال ابن المواز: لا شئ عليه، لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة ولو قال في يمينه: لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها ". وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف. وقال آخرون: تأولا النهي على الندب. قال ابن العربي: وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك ها هنا، لقوله: " فتكونا من الظالمين " [البقرة: 35] فقرن النهي بالوعيد، وكذلك قوله سبحانه: " فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى " (1) [طه: 117]. وقال ابن المسيب:
إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر وكان في غير عقله. وكذلك قال يزيد بن قسيط، وكانا يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل. قال ابن العربي: وهذا فاسد نقلا وعقلا، أما النقل فلم يصح بحال، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال: " لا فيها غول ". وأما العقل فلان الأنبياء بعد النبوة معصومون عما يؤدي إلى الاخلال بالفرائض واقتحام الجرائم.
قلت: قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى:
" فلما أنبأهم بأسمائهم " [البقرة: 33] فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله عز وجل.
وقيل: أكلها ناسيا، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد.
قلت: وهو الصحيح لاخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (1) " [طه: 115]. ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا، أي مخالفا. قال أبو أمامة: لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم، وقد قال الله تعالى: " ولم نجد له عزما ".