الرابعة - واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة، فقال الجمهور: كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض، كالسجود المعتاد في الصلاة، لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع، وعلى هذا قيل: كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله، وطاعة لله تعالى، وكان آدم كالقبلة لنا. ومعنى " لآدم ":
إلى آدم، كما يقال صلى للقبلة، أي إلى القبلة. وقال قوم: لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض ولكنه مبقى على أصل اللغة، فهو من التذلل والانقياد، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل. (فسجدوا) أي امتثلوا ما أمروا به.
واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام، لقوله تعالى:
" ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا (1) " [يوسف: 100] فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل: نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد، فقال لهم:
(لا ينبغي أن يسجد لاحد إلا لله رب العالمين). روى ابن ماجة في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذا) فقال: يا رسول الله، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم، فأردت أن أفعل ذلك بك، قال: (فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشئ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه). لفظ البستي. ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولادة فيحملون نساءهم على القتب (2) عند الولادة. وفي بعض طرق معاذ: ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة.