فإن قيل: كيف أطلق اسم الرزق على ما يخرج من الثمرات قبل التملك؟ قيل له: لأنها معدة لان تملك ويصح بها الانتفاع، فهي رزق.
الخامسة - قلت: ودلت هذه الآية على أن الله تعالى أغنى الانسان عن كل مخلوق، ولهذا قال عليه السلام مشيرا إلى هذا المعنى: (والله لان يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل أحدا أعطاه أو منعه). أخرجه مسلم. ويدخل في معنى الاحتطاب جميع الاشغال من الصنائع وغيرها، فمن أحوج نفسه إلى بشر مثله بسبب الحرص والأمل والرغبة في زخرف الدنيا فقد أخذ بطرف من جعل لله ندا. وقال علماء الصوفية: أعلم الله عز وجل في هذه الآية سبيل الفقر، وهو أن تجعل الأرض وطاء والسماء غطاء، والماء طيبا والكلأ طعاما، ولا تعبد أحدا في الدنيا من الخلق بسبب الدنيا، فإن الله عز وجل قد أتاح (1) لك ما لابد لك منه، من غير منة فيه لاحد عليك. وقال نوف البكالي: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر إلى النجوم فقال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، قال: طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن والدعاء دثارا وشعارا، فرفضوا الدنيا على منهاج المسيح عليه السلام... وذكر باقي الخبر، وسيأتي تمامه في هذه السورة عند قوله تعالى:
" أجيب دعوة الداع (2) " [البقرة: 186] إن شاء الله تعالى.
السادسة - قوله تعالى: (فلا تجعلوا) نهى. (لله أندادا) أي أكفاء وأمثالا ونظراء، واحدها ند، وكذلك قرأ محمد بن السميقع " ندا "، قال الشاعر:
نحمد الله ولا ند له * عنده الخير وما شاء فعل وقال حسان:
أتهجوه ولست له بند * فشركما لخيركما الفداء