قوله تعالى: (وما يشعرون) أي يفطنون أن وبال خدعهم راجع عليهم، فيظنون أنهم قد نجوا بخدعهم وفازوا، وإنما ذلك في الدنيا، وفي الآخرة يقال لهم: " ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا " [الحديد: 13] على ما يأتي (1). قال أهل اللغة: شعرت بالشئ أي فطنت له، ومنه الشاعر لفطنته، لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره من غريب المعاني. ومنه قولهم: ليت شعري، أي ليتني علمت.
قوله تعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) قوله تعالى: (في قلوبهم مرض) ابتداء وخبر. والمرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائدهم. وذلك إما أن يكون شكا ونفاقا، وإما جحدا وتكذيبا. والمعنى: قلوبهم مرضى لخلوها عن العصمة والتوفيق والرعاية والتأييد. قال ابن فارس اللغوي: المرض كل ما خرج به الانسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في امر. والقراء مجمعون على فتح الراء من " مرض " إلا ما روى الأصمعي عن أبي عمرو أنه سكن الراء.
قوله تعالى: (فزادهم الله مرضا) قيل: هو دعاء عليهم. ويكون معنى الكلام: زادهم الله شكا ونفاقا جزاء على كفرهم وضعفا عن الانتصار وعجزا عن القدرة، كما قال الشاعر:
يا مرسل الريح جنوبا وصبا * إذ غضبت زيد فزدها غضبا أي لا تهدها على الانتصار فيما غضبت منه. وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز الدعاء على المنافقين والطرد لهم، لأنهم شر خلق الله. وقيل: هو إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم، أي فزادهم الله مرضا إلى مرضهم، كما قال في آية أخرى: " فزادتهم رجسا إلى رجسهم (2) " [التوبة: 125]. وقال أرباب المعاني: " في قلوبهم مرض " أي بسكونهم إلى الدنيا وحبهم لها وغفلتهم عن الآخرة وإعراضهم عنها. وقوله: " فزادهم الله مرضا " أي وكلهم إلى أنفسهم، وجمع عليهم هموم الدنيا فلم يتفرغوا من ذلك إلى اهتمام بالدين. " ولهم عذاب أليم " بما يفنى عما يبقى. وقال الجنيد: علل القلوب من اتباع الهوى، كما أن علل الجوارح من مرض البدن.